يتعرض الرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني لهجمات متزامنة من نواب متشددين في البرلمان، وقادة في الحرس الثوري، ووسائل إعلام مقربة من النظام. وحتى بعض الشخصيات المحسوبة على المرشد الإيراني علي خامنئي تبدو منخرطة في حملة صامتة تهدف إلى تهميشه.
ورغم أن المزاج العام في شبكات التواصل الاجتماعي يميل إلى تأييد روحاني، فإن الدعم الشعبي الفعلي غائب. فالأصوات المدافعة عنه تقتصر على مساعديه السابقين، لا على جمهور أوسع.
ينبع جانب كبير من هذا العداء من تصريحات روحاني الأخيرة التي تضمّنت انتقادات مبطنة لسياسة طهران الخارجية، خصوصًا ما يُعرف بعقيدة "التوجّه شرقًا"، فضلًا عن عودته الملحوظة إلى الساحة العامة منذ انتهاء الحرب التي استمرت 12 يومًا، وهي فترة تزامنت مع تراجع ظهور خامنئي في المشهد العام.
ويعتقد كثيرون في طهران أن روحاني يسعى إلى تهيئة موقع لنفسه في مرحلة الفراغ المحتمل الذي قد يخلفه رحيل المرشد البالغ من العمر 87 عامًا.
تاريخ من التوتر مع الحرس الثوري
خلال الأسبوع الماضي، شنّ كل من القائد الأسبق للحرس الثوري محمد علي جعفري، وأمين مجلس الأمن القومي الأسبق علي شمخاني، ورئيس البرلمان محمد باقر قاليباف– وهو بدوره قائد سابق في الحرس الثوري– هجمات علنية على روحاني.
وتعود علاقته المتوترة بالحرس الثوري إلى فترة رئاسته. ففي ديسمبر (كانون الأول) 2014، وصف روحاني الحرس بأنه "حكومة تمتلك السلاح، ووسائل الإعلام، والسجون، وجهاز استخبارات خاصًا، وإمبراطورية اقتصادية ضخمة"، محذرًا من أن تركّز هذا القدر من السلطة يمكن أن يفضي إلى الفساد.
وجاء الرد سريعًا: فقد وُجهت إلى شقيقه تهم بالفساد المالي، وحوكم وسُجن – رغم أنه شوهد مرارًا خارج السجن – ما وجّه ضربة إلى مصداقية روحاني.
إحياء الخصومات القديمة
هزم روحاني مرشحين محافظين ومتشدّدين في الانتخابات الرئاسية عامي 2013 و2017 بخطاب هجومي حاد، ولم يغفر له خصومه ذلك. وكان قاليباف من بين هؤلاء المنافسين في المرتين.
ففي مناظرات عام 2013، وجّه له روحاني اتهامات علنية بتلقي أموال انتخابية من مهربي المخدرات ودعم قمع احتجاجات الطلبة عام 1999، ما أدى إلى إحراجه أمام الرأي العام. وفي عام 2017، اضطر قاليباف إلى الانسحاب من السباق الرئاسي بضغط من المحافظين لدعم إبراهيم رئيسي – وهي خطوة لم تنجح في إيصال الأخير إلى الرئاسة آنذاك.
هذه الخصومة القديمة عادت إلى الواجهة اليوم داخل البرلمان، حيث يتصدر قاليباف الهجوم على روحاني، وإن كان يستخدم نبرة أكثر توازنًا، بينما يتولى المتشددون الآخرون توجيه الضربات المباشرة.
وفي 26 أكتوبر (تشرين الأول)، دعا نائبان متشدّدان هما أمير حسين ثابت وحميد رسائي إلى محاكمة روحاني وسجنه. ورغم أن مثل هذه المطالب ليست جديدة، فإن ثابت ذهب أبعد من ذلك، زاعمًا أن روحاني يسعى إلى "موقع أعلى" – في إشارة واضحة إلى طموحه المزعوم في خلافة خامنئي.
مرشح محتمل؟
يبقى روحاني شخصية فريدة بين رجال الدين الإيرانيين؛ فهو يمتلك مؤهلات أكاديمية حقيقية، ويتحدث ببلاغة، وله خلفية ثورية قديمة. وقليلون من رجال الدين يجمعون بين مكانته الدينية والسياسية بهذه الصورة.
ولهذا السبب، ليس من الصعب فهم رغبة خامنئي وابنه مجتبى – الذي يتكرر اسمه كثيرًا في أحاديث الخلافة – في إضعاف روحاني.
لا توجد أدلة على تورط مكتب المرشد مباشرة في هذه الحملة المنسقة ضد روحاني، إلا أن خامنئي سبق أن وبّخه علنًا عندما دعا الرئيس الأسبق إلى إجراء استفتاء لاستعادة صلاحيات الرئاسة.
سقوط من القمة
تكمن نقطة ضعف روحاني الكبرى في فقدانه ثقة الشارع. فقد ضلل الرأي العام بشأن إسقاط الطائرة المدنية الأوكرانية بصواريخ الحرس الثوري عام 2020، ووافق على قمع الاحتجاجات السلمية في 2019.
في مظهره وأسلوبه، يحاكي روحاني آية الله محمد بهشتي، رئيس السلطة القضائية السابق الذي قُتل في تفجير عام 1981. ودائمًا ما يظهر بهيئة أنيقة ولحية بيضاء مشذّبة، ما يمنحه مظهر الانضباط والاتزان. وهو ربما الشخصية الوحيدة في المعسكر المعتدل التي تمتلك سجلًا أمنيًا جادًا.
ومع تصاعد الضغوط عليه، يتساءل كثيرون في طهران عمّا إذا كانت هذه الحملة ستنتهي بخير له أو للنظام نفسه.
فحال روحاني اليوم يشبه قصة الرجل الذي سقط من ناطحة سحاب. وحين سُئل وهو في منتصف الطريق إلى الأرض كيف تسير الأمور، أجاب: "حتى الآن، كل شيء على ما يرام".