وهذه الموجة الجديدة جاءت مباشرة بعد انتشار مقطع فيديو لحفل زفاف ابنة علي شمخاني، الذي عُدّ مؤشرًا على "هجوم مضاد" من الحرس الثوري على تيار روحاني. والآن يكاد كل يوم يشهد تصريحًا أو موقفًا لأحد كبار قادته ضد روحاني، ما يبدو أنه حملة ممنهجة ومنسقة.
وفي هذا السياق، شنّ رئيس البرلمان وأحد قادة الحرس الثوري السابقين، محمد باقر قاليباف، هجومًا حادًا على روحاني وظريف، منتقدًا تصريحاتهما بشأن علاقة النظام الإيراني بروسيا.
ويمكن اعتبار هذه التصريحات "هجومًا معاكسًا" واضحًا من الحرس الثوري ضد تيار روحاني، خصوصًا أن روحاني نفسه كان قد وجّه قبل أيام انتقادات لاذعة للحرس في بعض الأوساط السياسية. كما اعتبر بعض المراقبين أن نشر فيديو زفاف شمخاني كان خطوة من تيار روحاني لضرب قادة الحرس الثوري.
ولهذا السبب، كانت ردة فعل الحرس الثوري الإيراني متوقعة تمامًا. ويبدو أن حرب السلطة القديمة بين روحاني والحرس، التي تعود جذورها إلى زمن الحرب الإيرانية- العراقية، قد بلغت الآن ذروتها. وإذا استمر هذا المسار، فليس مستبعدًا أن يشهد روحاني إجراءات أمنية أو عزلاً شبيهًا بالإقامة الجبرية التي فُرضت على مير حسين موسوي، أحد قادة "الحركة الخضراء".
ويبدو أن قادة الحرس الثوري يحظون في هذه الهجمات الأخيرة بدعم ضمني من علي خامنئي نفسه. فقد وجّه روحاني في الأشهر الأخيرة، ليس فقط إلى الحرس، بل إلى المرشد الإيراني أيضًا، انتقادات غير مباشرة، قائلاً: "إن خامنئي هو من حال دون إحياء الاتفاق النووي".
وأكد روحاني ومقرّبوه مرارًا أنه كان بإمكانه خلال فترة رئاسته حلّ المسألة بين إيران وأميركا، لكنّ المرشد وقادة الحرس الثوري هم الذين عرقلوا ذلك المسار.
وعمّق مجمل هذه المواقف حالة انعدام الثقة بين روحاني وقمة النظام، وجعل دائرة بيت المرشد تجد مصلحة مشتركة مع الحرس الثوري في إقصاء روحاني من لعبة السلطة.
ولم تعد المواجهة الآن بين الحرس الثوري وروحاني فقط، إذ إن هناك على الأقل أربعة تيارات من السلطة والثروة داخل النظام تعمل في الوقت نفسه ضد روحاني: تيار بيت المرشد والمقربون من نجله مجتبی خامنئي، وقادة الحرس الثوري، ودائرة أحمدي نجاد، وتيار "جبهة الصمود" (جبهة بايداري) بزعامة سعيد جليلي.
وفي رأس هذه المجموعات يأتي تيار مجتبی خامنئي، الذي يرى في تحركات روحاني تهديدًا مباشرًا لمستقبل خلافته لوالده، ولذلك يسعى بالتنسيق مع الحرس الثوري وسائر الأجهزة الأمنية إلى التخلص من خطر روحاني.
وأما الحرس الثوري، فخلافه مع روحاني يعود إلى الثمانينيات، وقد تعمّق هذا الشرخ كثيرًا خلال فترة رئاسته. وفي مرحلة معينة، هدد كبار قادته روحاني مباشرة بأنه إذا واصل انتقاداته لهم فسيتم التعامل معه. وقد فُسّر ذلك اللقاء حينها على أنه تهديد بانقلاب على الحكومة.
ويبدو الآن أن الحرس الثوري قرر التحرك من موقع القوة، بدعم من مكتب المرشد، لدفع روحاني إلى التراجع، وإن أمكن، إقصاؤه تمامًا من اللعبة السياسية.
وإلى جانب الحرس الثوري وبيت المرشد، وجد تيارا أحمدي نجاد وجبهة الصمود فرصة سانحة لمهاجمة روحاني واستغلال ضعفه السياسي.
وفي البرلمان، دعا بعض النواب المقربين من جبهة الصمود صراحة إلى محاكمة روحاني. كما كررت الدورية الأسبوعية "صبح صادق"، الناطقة السياسية باسم الحرس الثوري، هذا المطلب في افتتاحيتها الأخيرة، ما يدل على أن مسألة إقصاء روحاني داخل النظام دخلت مرحلة جدية.
والسيناريو الأرجح هو بدء عملية تدريجية للإقصاء: تبدأ بفرض قيود إعلامية وسياسية، ثم قد تتطور إلى إقامة جبرية، وفي حال استمرار المواجهة، إلى إجراءات أكثر صرامة.
وفي الوقت نفسه، لم يسلم وزير الخارجية الأسبق، محمد جواد ظريف أيضًا من الهجمات. فالجماعات الموالية لروسيا داخل النظام، التي تمسك الآن بزمام المبادرة، وجّهت سهامها إلى ظريف بعد روحاني.
وتُعد إقالة ظريف من منصبه كنائب للرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، وتصريحات قاليباف الحادة ضده، مؤشرات على بدء موجة جديدة من الهجمات عليه، خاصة بعد انتقاده لروسيا في الأيام الأخيرة.
وكل هذه التطورات تشير إلى أن الحرس الثوري ومكتب المرشد وحتى تيار الصمود توصلوا إلى "تفاهم غير معلن" حول إقصاء روحاني من دائرة السلطة.
لقد بات روحاني، من خلال انتقاداته لطريقة حكم خامنئي والحرس الثوري وسياسات النظام العامة، يقترب من تجاوز حدود التسامح المسموح بها داخل النظام.
ومن جهة أخرى، باتت جميع الأجهزة الأمنية والاستخبارية تحت سيطرة الحرس الثوري، ما يعني أنه إذا اتُّخذ القرار النهائي بإخراج روحاني من اللعبة، فلن يكون هناك ما يعرقل تنفيذه.
ومع ذلك، ينبغي الإشارة إلى أن هذه الحرب على السلطة ليست صراعًا من أجل مصالح الشعب، بل هي معركة لتقاسم النفوذ والثروة بين الأجنحة المختلفة داخل النظام.
فرُوحاني، وخامنئي، وأحمدي نجاد، وقادة الحرس الثوري الإيراني جميعهم يشتركون في مصلحة واحدة هي بقاء بنية النظام، وخلافاتهم لا تتعدى حدود إدارة السلطة وتقاسمها.
ومع أن فهم هذه الانقسامات ليس أمرًا عديم الأهمية، فإنه ضروري لتجنّب انخداع الناس بتيارات قد تقدم نفسها لاحقًا كـ "معارضة إصلاحية"، بينما هي في الواقع تسعى لإعادة إنتاج النظام بوجه جديد.
والخطر الأكبر هو أن يسعى أشخاص، مثل روحاني أو أحمدي نجاد، بعد خامنئي إلى تقديم أنفسهم كبدائل أو منقذين، وهو مشروع في جوهره محاولة لإطالة عمر النظام الإيراني في صيغة جديدة.
وفي هذه الحرب على السلطة، لا يمثل أي طرف من الأطراف مصالح الشعب. فجميع هذه الأجنحة، من بيت المرشد والحرس إلى روحاني وأحمدي نجاد، أجزاء من منظومة واحدة، قائمة أساسًا على القمع ونهب البلاد.
والخلافات بينها حقيقية، لكنها في لحظة الخطر تتحد جميعًا في جبهة واحدة ضد الشعب.
إن الفهم الدقيق لعلاقات القوة داخل نظام خامنئي هو شرط أساسي لتجاوزه، لأن إدراك هذه البنية وحده يمنع تكرار الخداع التاريخي. ودون تجاوز كامل لبنية النظام الإيراني، لن يحدث أي تغيير حقيقي في مصير الشعب الإيراني.