على مدى أكثر من أربعين عامًا، حاول النظام الإيراني أن لا يسيطر على السلطة فحسب، بل أن يحتكر الحوار نفسه، أن يقرر من يتكلم، وما الذي يُسمع، وأيّ "حقائق بديلة" يُسمح لها بالوجود.
الحوار يخيفه. وكذلك الوطنية البسيطة، تلك التي تولد حين يتحدث الناس بلغتهم الخاصة عن وطنهم.
على الخط، يخبرني معلّم من كرمانشاه أن الطلاب لا يُدرَّبون أبدًا على شجاعة طرح الأسئلة النقدية. متصل من تورونتو يصف جيلًا تعلّم البقاء من خلال الكذب. وامرأة من طهران تعترف بأنها تنتظر معجزة لأنها لم تعد قادرة على تخيّل التغيير.
هذه الأصوات ليست شتاتًا؛ إنها نقاط إحداثيات على خريطة الوعي الوطني. الحديث في إيران يمكن أن يكون خطرًا، لكن الصمت أيضًا قاتل بطريقة أخرى. فعندما يتوقف المجتمع عن محاورة نفسه، يبدأ بالانقسام ضد ذاته. والأنظمة الاستبدادية تتغذى على هذا الصمت.
البرنامج المباشر الذي أقدّمه محاولة- مرتجلة، هشة، أحيانًا فوضوية- لعكس هذا الخراب. نحن نجمع الإيرانيين في الزمن الحقيقي، من طهران إلى لوس أنجليس. نتبع ثلاث قواعد بسيطة: أن يُسمَع الجميع، دون إصدار أحكام، وأن يبقى الحديث مناسبًا لجميع الأعمار.
غالبًا ما يناقض المتصلون أنفسهم، وهذا ما يجعل الحوار حقيقيًا. فالحوار ليس مسرحًا للاتفاق، بل تدريبًا على الإصغاء.
وعبر الضوضاء والعاطفة، تتكرّر ثلاث حقائق:
أولًا: النظام الإيراني لا يتوقف عن الكلام، لكنه لا يُصغي. يعظ، يهدّد، يفرض الرقابة، ويهنّئ نفسه. هذه ليست قوّة، بل خوف.
ثانيًا: بدأ المجتمع يعكس هذا الرفض. الإيرانيون يقاطعون قبل أن يفهموا، يجادلون قبل أن يفكروا، ويعاملون الاختلاف كعدوى. النظام الإيراني يغذّي هذا الميل.
ثالثًا: المخرج من هذه الدائرة ليس بطوليًا بل إجرائي. أن تطرح سؤالًا حقيقيًا. أن تنتظر إجابة حقيقية. أن تدع الحقائق- لا الكبرياء- تحدد من هو على صواب. بسيط، لكنه صعب.
إيران اليوم ممزقة بحروب كثيرة: بين الشعب والحكومة، بين الحقيقة والدعاية، بين الأمل والإرهاق. ومع ذلك، وسط هذا الانقسام، ما زلت أسمع إصرار الحياة الهادئ.
متصل من طهران يريد التحدث عن الماء: الصنابير تُغلق عند منتصف الليل، والعائلات تملأ القناني قبل الانقطاع. هذا أيضًا سياسة. الحق في العيش دون خوف من العطش.
متصل آخر من شيراز يدعو إلى قيادة حقيقية: "الموت بكرامة خير من حياة مذلة"، يقول. وبعد لحظات، ترد امرأة من طهران: "توقّفوا عن البحث عن مخلّص، انظروا في المرآة".
هذه التبادلات هي جوهر ما أسمّيه "الحوار الوطني"- ليس شعارًا ولا سياسة، بل قرار جماعي بالتحدث قبل فوات الأوان.
تونس فعلتها وأنقذت نفسها من الحرب الأهلية. نيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا فعلها وفكك نظام الفصل العنصري. اليمن تظاهرت بأنها فعلتها فانهارت. بالنسبة لإيران، الحوار ليس مثالية؛ إنه وسيلة للبقاء.
أنا لست محايدًا تجاه إجبار النظام الإيراني الناس على الهمس، لكنني مؤمن بالطريقة التي يمكن أن تبقى بعد زواله. الوطنية، بالنسبة لي، هي الوقوف إلى جانب الحقيقة حتى لو قالها شخص لا تحبه.
في بعض الليالي، عندما تنتهي المكالمة الأخيرة، أجلس في الاستوديو الصامت ولا أسمع سوى طقطقة الخط المنقطع. لكنني أعرف الصوت الذي سبقها- همس أم سؤال معلم، اعتراف مواطن- هو دليل على أن شيئًا ما لا يزال يتنفس داخل البلاد.
بعد سنوات من أحادية صوت الدولة، أصبح أكثر الأصوات تمرّدًا في إيران هو أن تتحدث الأمة مع نفسها. هناك شيء يتحرك تحت السطح، وأنا أسمعه. أسمعه كل ليلة في البرنامج- حيًا، خامًا، وأصيلًا.
أنا متفائل...