في إيران اليوم، توقف الاقتصاد عن الحركة، وغرقت الحكومة في غياب القرار، والمجتمع عالق بين اليأس والانتظار.
اقتصاد معطّل.. السير على الوضع المحايد
منذ سنوات، خرج اقتصاد إيران عن التوازن. النموّ السلبي، انهيار قيمة الريال، القفز غير المسبوق لسعر الدولار، هروب رؤوس الأموال، وإغلاق الوحدات الإنتاجية رسمت صورة لنظام اقتصادي لا وجود للحركة فيه إلا في "كلام" المسؤولين.
سلّمت الحكومة الساحة فعليًا للمضاربين وأصحاب النفوذ بسبب سياساتها الغامضة وأسعار الصرف المتعددة.
النتيجة واضحة: العامل والموظف يزدادان فقرًا كل شهر، المنتج يخرج من السوق، ولا يستفيد من هذا الاضطراب سوى قلّة قريبة من مراكز السلطة.
يشبه اقتصاد إيران سيارةً تملك محرّكًا يملأ الجو بالدخان والضجيج، لكنها على الوضع المحايد؛ كثيرة الضوضاء، كثيرة الدخان، لكن بلا حركة. الأمل بالاستثمار الداخلي أو الخارجي تلاشى، إذ لا أحد يرى استقرارًا في سوق فقدت فيها العملة الوطنية أكثر من 60 في المائة من قيمتها خلال عام واحد.
حكومة معلّقة بين الوعد والواقع
لم تقدّم حكومة مسعود بزشكيان أي خطة واضحة للسيطرة على التضخّم، أو لإعادة بناء الثقة الاجتماعية، أو لإحياء العلاقات الخارجية.
السياسة الخارجية للدولة تائهة بين الشرق والغرب، وفي الداخل تعيق المؤسسات الموازية وبُنى السلطة المتشابكة تنفيذ قرارات الحكومة.
الحكومة ليست مصلحة ولا صاحبة قرار؛ إنها مجرّد منفّذة لأوامر خامنئي. في الواقع، الحكومة الحالية ليست "حكومة الحوار والتعامل"، بل "حكومة التكرار"؛ تكرار الوعود، وتكرار التبريرات، وتكرار العجز.
مجتمع ينتظر.. أمة في طابور الانتظار
في أدنى هذا الهرم، يقف مجتمع مرهق فاقد للثقة ينتظر. شابّ لم يعد حلمه التقدّم داخل البلاد، بل مغادرتها؛ أسرة تتردّد كل يوم بين البقاء والرحيل؛ وجيل فقد الأمل بالإصلاح من الداخل.
هذا الصمت العام ليس علامة رضا، بل علامة إنهاك. المجتمع الذي عاش سنوات تحت عبء الوعود غير المنجزة والسياسات غير المستقرة يعيش الآن في حالة انتظار؛ انتظار للتغيير، للانفراج، لحدث لا يأتي.
لكن هذا الانتظار ليس صدفة؛ بل نتيجة سياسة مدروسة. نظام يبقي الناس في حالة انتظار دائمة يسلبهم القدرة على الحركة. في مثل هذا النظام، الاقتصاد رهينة السياسة، والسياسة رهينة الأمن، والأمن رهينة الأيديولوجيا، والأيديولوجيا في خدمة خامنئي.
سياسة التعليق
الوضع الحالي ليس نتيجة مصادفة. النظام الإيراني في بنيته يعيد إنتاج "التعليق" كحالة دائمة. هذا النظام لا يتحرك إلا عند مواجهة الأزمات، وفي غياب الأزمة يعود إلى السكون. القرار الحقيقي مركّز في رأس الهرم، بينما تلعب باقي المؤسسات دور المنفّذ فقط.
لكن لا يمكن لأي مجتمع أن يبقى إلى الأبد في حالة توقف. استمرار التعليق يؤدي إلى الانهيار: انهيار الثقة، وانهيار رأس المال، وانهيار الأخلاق، وانهيار الأمل. الانهيار لا يحدث بالضرورة في الشوارع؛ بل يبدأ في عقول الناس، حيث تنهار المعاني والثقة.
تحتاج إيران اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى "قرار"؛ قرار بالشفافية، وبإصلاح البنى، وبإعادة بناء الثقة. لكن أي قرار من دون الشعب لا معنى له. إنقاذ البلاد من حالة التعليق ممكن فقط عندما يعود الناس إلى ساحة الحوار واتخاذ القرار. البلد الذي يُقصى فيه الشعب سيتفكك من الداخل عاجلًا أو آجلًا. وإذا لم يقرر النخبة، فسيقرر المجتمع – لاحقًا، ولكن بشكل حاسم.
إلى أين تتجه إيران؟
لا توجد قوة أبدية؛ لا العمامة ولا العباءة، ولا البُنى التي تقوم على الكذب. من حقّ الناس أن يستعيدوا مستقبلهم؛ بالسؤال، وبالمشاركة، وبالحوار.