الشعب الإيراني يدفع ثمن رغبة خامنئي في "بلوغ القمة"

الفرق بين اليوم وأمس أنّه لم يعد الأمر مقتصراً على أنّ أميركا وحدها تفرض عقوبات على إيران، بل إنّ النظام الدولي بأكمله توصّل إلى إجماع فيما يخص النظام الإيراني.
الفرق بين اليوم وأمس أنّه لم يعد الأمر مقتصراً على أنّ أميركا وحدها تفرض عقوبات على إيران، بل إنّ النظام الدولي بأكمله توصّل إلى إجماع فيما يخص النظام الإيراني.
المعنى العملي لهذا القرار واضح: البنوك مقفلة، الاستثمارات الأجنبية متوقفة، بيع وشراء السلاح محظور، والبرنامج الصاروخي تحت ضغط شديد. هذا التراجع يعيد البلاد إلى أحلك أيام ما قبل الاتفاق النووي، وربما إلى ما هو أسوأ.
قبل الاتفاق النووي، كان مجلس الأمن الدولي قد أصدر عدة قرارات ضد النظام الإيراني شملت عقوبات على البنك المركزي وتجميد أصول المؤسسات المرتبطة بالحرس الثوري.
الاتفاق النووي علّق هذه العقوبات، لكنّ "آلية الزناد" كانت تتضمن إمكانية عودتها تلقائياً في حال خرق الالتزامات.
الآن، ومع تقارير عن زيادة تخصيب اليورانيوم وتقييد وصول الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فعّل الأوروبيون زر "آلية الزناد".
الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية لعودة العقوبات ليست نقاشاً نظرياً؛ فتجربة الأعوام 2012 حتى 2015 أثبتت أن هذه الضغوط تستهدف حياة الناس بشكل مباشر. مع قفزة سعر الدولار وتراجع إيرادات الدولة، يرتفع التضخم بشكل جامح ويزيد ثمن السلع الأساسية، حتى يتحول الحليب واللحم والأرز إلى بضائع فاخرة.
في قطاع الصحة، ورغم أنّ الأدوية نظرياً معفاة من العقوبات، إلا أنّ تجميد النظام المصرفي يعرقل استيرادها. فيصبح مرضى السرطان والمصابون بأمراض نادرة أول الضحايا. وفي الوقت نفسه، يؤدي الركود وإغلاق المصانع بسبب نقص المواد الأولية وقطع الغيار إلى موجة جديدة من البطالة.
في مثل هذه الظروف، يشتد الفساد والريع. وتُغلق الطرق القانونية للتجارة، ولا يستفيد إلا المقرّبون من الحرس والسلطة من التهريب والريع، بينما يحصل المواطنون على سلع أغلى وأقل جودة.
وفوق كل ذلك، يواجه المجتمع عزلة نفسية واجتماعية: قيود على السفر، تراجع في التعاون العلمي والجامعي، وآفاق مستقبل مظلمة تزيد من الإحباط لدى مختلف الأجيال.
في مواجهة هذه التطورات، يكرر النظام الإيراني السيناريو المعروف. الإعلام الرسمي يصف العقوبات بأنها "مجرد أوراق"، الصحف الحكومية تكتب عن "الاقتدار والصمود"، وأعضاء البرلمان يرددون كلام خامنئي ويتحدثون عن "بلوغ القمة".
بالتوازي، استدعى النظام ثلاثة سفراء أوروبيين ولوّح مجدداً بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي. لكن الواقع مغاير. صحيح أنّ العقوبات قد لا تكون الرصاصة الأخيرة، لكنها بلا شك ضربة جديدة لجسد الاقتصاد والمجتمع في إيران.
خلال الأشهر الثلاثة إلى الستة المقبلة، ينبغي توقّع المزيد من الهبوط الإضافي في قيمة العملة الإيرانية، موجة ثانية من البطالة ونقصاً جديداً في المواد. والخطر الأكبر هو ازدياد احتمال مواجهة عسكرية؛ فكلما تعمّق الشرخ مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ارتفع احتمال الخطأ في الحسابات والمواجهة المباشرة.
الخاسرون والرابحون
الخاسرون الأساسيون في هذه الدورة هم المواطنون؛ الموظفون ذوو الرواتب الثابتة الذين يسحقهم التضخم، المتقاعدون الذين يعجزون عن شراء الخبز، والعائلات التي لا تجد دواء لطفلها المريض.
لكن الحلقة الضيقة المقرّبة من الحرس الثوري تظل الرابح الأكبر. فمع انسداد الطرق القانونية، تُفتح مسارات التهريب والريع، وتذهب أرباحها مباشرة إلى جيوب تلك المجموعة المحدودة. النتيجة واضحة: الناس يشترون أغلى وأردأ، بينما "أصحاب الامتيازات" يواصلون استيراد سيارات البورش.
في دعاية النظام، يصف خامنئي هذا الوضع بأنه "بلوغ القمة". لكن في الواقع، فإن جبل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية يثقل كاهل الشعب. إن عودة العقوبات تبيّن مجدداً أن تكلفة المغامرات الأيديولوجية للسلطة تُدفع مباشرة من جيوب الشعب؛ ليس كأزمة عابرة، بل كدورة متكررة تجعل حياة الإيرانيين أكثر فقراً وتقييداً وهشاشة في كل مرة.