ففي الأشهر التسعة الأولى فقط من العام الميلادي الجاري، نُفذ أكثر من ألف عملية إعدام في إيران، ولا يزال جزء كبير منها مرتبطًا بجرائم المخدرات.
هذا التصاعد غير المسبوق يكشف أن إصلاحات عام 2017 لم تصمد، بل سرعان ما تآكلت وعادت الإعدامات إلى مستوياتها القصوى. والسؤال اليوم: لماذا فشلت تلك الإصلاحات؟ وما هي الآليات التي حولت الأمل بخفض الإعدامات إلى واقع مرير من "ما بعد التآكل"؟
إيران إلى جانب الصين من أكثر الدول تنفيذًا للإعدام عالميًا، وغالبية هذه الأحكام لا تتعلق بالقتل العمد بل بجرائم المخدرات.
في عام 2016، نحو نصف الإعدامات المسجلة في إيران كانت بسبب المخدرات. كما أن الضغوط الدولية، التكاليف السياسية، وفشل سياسة القمع الشديد، دفعت النظام الإيراني حينها إلى إدخال إصلاحات قانونية.
التعديلات رفعت الكميات المطلوبة لصدور حكم الإعدام: من ٥ كغم إلى ٥٠ كغم بالنسبة للأفيون، ومن ٣٠ غرامًا إلى كيلوغرامين بالنسبة للهيرويين.
ووفق تصريحات المسؤولين الإيرانيين، أدت هذه الإصلاحات إلى تخفيف أو استبدال 5 إلى 6 آلاف حكم بالإعدام، فانخفض المعدل السنوي من 403 حالات إعدام مرتبطة بالمخدرات إلى 26 فقط.
العوامل الرئيسية لنجاح هذا الانخفاض المؤقت كانت الضغوط الدولية، مثل قطع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة تمويله، بجانب عدم فعالية الإعدام في الحد من التهريب.
لكن هذه التعديلات لم تُحدث تحولا جذريًا:
• لم يكن هناك مراجعة منهجية للأحكام السابقة، فبقي كثير من المحكومين بالإعدام على قوائم الانتظار.
• ظلت قضايا المخدرات ضمن اختصاص محاكم الثورة المرتبطة بالأجهزة الأمنية، حيث تغيب ضمانات المحاكمة العادلة ويُعتمد على الاعترافات المنتزعة بالقوة.
• لم تنشأ آلية رقابية مستقلة أو إلزام بالشفافية، مما سمح بالالتفاف على الإصلاحات.
ومع تغيّر موازين السلطة داخل القضاء والرئاسة، وتولي التيارات الأكثر تشددًا، توقفت عملية الإصلاح وتحول المسار نحو التشديد.
ومنذ عام 2021، بدأت أعداد الإعدامات ترتفع مجددًا. ومع اندلاع الاحتجاجات بعد مقتل مهسا أميني عام 2022، استخدم النظام الإعدام أداة لترهيب المجتمع.
وخلال عامي 2024 و2025 بلغت الإعدامات ذروتها، وكان نحو نصفها مرتبطًا بالمخدرات، رغم أن هذه الجرائم لا تُصنف ضمن "أشد الجرائم خطورة" وفق المعايير الدولية، التي تحصر عقوبة الإعدام في القتل العمد.
خبراء الأمم المتحدة يؤكدون أن إيران عمليًا ألغت مفاعيل إصلاحات 2017.
كما برزت مسألة التمييز ضد الأقليات والمهاجرين؛ إذ تم إعدام عشرات الأفغان، وكان للبلوش نصيب مرتفع بين الضحايا، ما يؤكد أن الإعدام يُستخدم أيضًا كأداة للسيطرة على الفئات المهمشة.
الإعدامات عادت بفعل عوامل عدة:
• دور محاكم الثورة وتفسيرات القضاة المتشددة.
• غياب الرقابة والشفافية.
• السياسات الأمنية التي توظف الإعدام كرسالة سياسية لترهيب المجتمع.
وفي إيران، لا يكتسب القانون فعاليته إلا حينما تسمح الأجهزة الأمنية بذلك. إصلاحات 2017، في غياب إرادة سياسية حقيقية، سرعان ما انهارت أمام بنية السلطة القمعية.
كما أن رفض طهران التعاون مع آليات الأمم المتحدة ومنع دخول المراقبين المستقلين، جعل من المستحيل فرض رقابة خارجية فعالة.
بالإضافة إلى أن فشل إصلاحات 2017 يُظهر أن التغييرات الشكلية في القوانين لا تكفي دون إصلاح مؤسسي ورقابي.
داخليًا، لم تُسهم الإعدامات في خفض استهلاك أو تهريب المخدرات، بل غذت العنف والفساد في المناطق الحدودية.
أما دوليًا، فالرسالة واضحة: أي محاولة لتقييد الإعدام في إيران لن تنجح ما لم تقترن بآليات إلزامية للمساءلة والشفافية وضغط مستمر لإصلاح البنية الأمنية والقضائية.