ركوب "أمواج الكراهية".. كيف يمكن لخليفة خامنئي أن يشتري الوقت بامتيازات صغيرة؟

يحاول النظام الإيراني تسهيل مشروع خلافة القيادة وكسب الوقت لخليفة علي خامنئي من خلال منح تنازلات صغيرة.
يحاول النظام الإيراني تسهيل مشروع خلافة القيادة وكسب الوقت لخليفة علي خامنئي من خلال منح تنازلات صغيرة.
في السياسة، "الكراهية" واقعية وحاسمة مثل الكاريزما والشعبية؛ فعندما يتركّز الغضب الجماعي على شخص القائد، ويتنحّى أو يدخل مرحلة الأفول، فإن نافذة قصيرة من "الأمل الضئيل" تنفتح أمام خليفته، ويتاح عندها "ركوب موجة الكراهية".
استنادًا إلى هذا المنطق، يسعى النظام الإيراني إلى تسهيل مشروع الخلافة، عبر تحويل السرد من "عيوب هيكلية" إلى "أسلوب الحكم الفردي"، ومن خلال بعض الامتيازات الاجتماعية الرمزية مثل الإفراج المحدود عن بعض السجناء وتخفيف التوترات الثقافية لبث شعور "بروح جديدة"، أو بمسكنات اقتصادية قصيرة المدى كضخّ نقدي موجّه وتسهيل مؤقت للواردات لإيجاد إحساس بالتحسن، أو عبر تخفيف التوترات خارجيًا بشكل محسوب لفتح نوافذ للعملة وتهدئة التوقعات، إلى جانب ترتيب قانوني ومؤسسي بحيث لا يتغير جوهر دائرة القرار الحقيقي، مع احتفاظ الأجهزة الأمنية والاقتصادية بنفوذها، وحشد وسائل الإعلام الموالية لتحميل المسؤولية على الماضي لا على البنى المستمرة.
الهدف من هذه الحزمة هو شراء الوقت للخليفة وتثبيت البنية في حالة الانتظار؛ بشرط أن تُترجَم الإشارات الناعمة إلى رواية مقنعة عن "تغيير السلوك، لا تغيير النظام".
صندوق أدوات "الامتيازات الصغيرة"
إذا أراد الخليفة أن يركب موجة الكراهية تجاه خامنئي ويحّولها من "عاصفة إسقاطية" إلى "ريح مواتية للاستقرار"، فثمة سلسلة من الإجراءات منخفضة التكلفة وعالية العائد أمامه:
أولا، حزمة حريات مدنية دنيا وإشارات رمزية: مثل إطلاق سراح عدد ملحوظ من سجناء الرأي والاحتجاج من دون اعتراف بمسؤولية جنائية للنظام، تخفيف ملموس للرقابة، إعادة فتح نسبية للمجال الثقافي مثل الحفلات والسينما والفعاليات الطلابية، إعادة تعريف الحجاب الإلزامي على شكل توصية أو تطبيق انتقائي منخفض التوتر، تقليص الدوريات الميدانية، إعلان نهج عقابي محدود.
هذه كلها إشارات تمنح شعورًا بـ"نَفَس جديد" بتكلفة أمنية قابلة للتحكم، وتدعم رواية "تغيير السلوك".
ثانيا، تسكين اقتصادي فوري بلا إصلاح هيكلي: مثل ضخ إعانات نقدية موجهة، تحرير مؤقت لبعض الواردات الاستهلاكية، تنظيم سعر صرف تفضيلي للسلع الأساسية، القيام ببعض الحملات الشكلية لمكافحة الفساد عبر التضحية بمتوسطين، تسهيل المدفوعات الإلكترونية والدولية المحدودة، وتخفيف القيود المكلفة على الأعمال الرقمية، مع إبقاء جذور الأزمات كضعف الإنتاجية، سوء الحوكمة، والعقوبات، على حالها.
ثالثا، خفض محسوب للتوتر الخارجي: كوقف بعض المغامرات الإقليمية المكلفة أو تغيير اللهجة في الملف النووي لفتح منفذ للعملة، الإفراج عن الأموال المجمّدة، وإبرام اتفاقات تكتيكية لاستيراد الأدوية والمواد الأولية. هذا يولّد تأثيرًا نفسيًا من نوع "الدولار الأكثر هدوءًا" و"السلع النادرة في المتناول"، فيبقي المجتمع لشهور في حالة ترقب وانتظار.
هندسة السرد
شرط نجاح أي حزمة صغيرة هو رواية تُرجع الإخفاقات الكبرى إلى "أسلوب حكم خامنئي" لا إلى جوهر النظام الإيراني.
تفيد هذه الرواية أن الانحرافات والتشدّد المفرط كانت مرتبطة بالشخص السابق، أما الآن فهناك نية للإصلاح.
والهدف عمليًا هو تصريف طاقة الغضب الشعبي على الفرد المكروه ومنح البنية نوعًا من التبرئة الجزئية.
ويُدعَم ذلك بقرارات رمزية مثل تعليق بعض أحكام الجلد والحجاب الإلزامي، مراجعة انتقائية للأحكام الأمنية، والسماح بعودة محدودة لبعض الشخصيات المُبعدة.
نموذج خروشوف مقابل ستالين
تشبيه مسار خليفة خامنئي بمسار نيكيتا خروشوف بعد جوزيف ستالين ذو معنى من زاوية "إدارة إرث الكراهية".
فقد أرسل خروشوف عبر "التقرير السري" وسياسة رفع بعض القمع إشارات إلى المجتمع تفيد بالابتعاد عن العنف المنهجي، ورسالة تقول: "الأسوأ قد انتهى، والتطبيع الجزئي ممكن".
سرعان ما خفّض ذلك الكلفة النفسية للمعارضة وأتاح فرصًا ناعمة للتلاعب بالسلطة داخل الحزب الشيوعي.
لكن الاختلافات كبيرة: المجتمع الإيراني اليوم أكثر تنوعًا طبقيًا وإثنيًا وجندريًا وإعلاميًا من الاتحاد السوفياتي في الخمسينيات، ولم يعد ثمة حزب وحيد مهيمن بل شبكة مؤسسات موازية ذات مصالح اقتصادية وأمنية مستقلة.
فضلًا عن أن ثورة الاتصالات كسرت احتكار السرد، وصارت "الإنجازات الصغيرة" تُعتبر إما غير كافية أو تتحوّل بسرعة إلى مطالب بـ"إنجازات كبرى".
لذلك، يبقى "النموذج الخروشوفي" ملهمًا فقط في حدود استراتيجية "الابتعاد عن الماضي المكروه"، لا على صعيد النسخ المؤسسي.
توازن القوى الداخلية
الخطر الرئيسي أن أي امتياز اجتماعي قد يتحوّل بسرعة إلى مطلب سياسي كاسر للبنية.
في المقابل، يخشى اللاعبون الأقوياء، خصوصًا الحرس الثوري والمقاولين الريعيين، من أي تغيير يهدد مصالحهم الراسخة.
فإذا بالغ الخليفة في تقديم الامتيازات، سيُتّهم بالخيانة داخل النظام؛ وإذا قدّم القليل، ولّد في المجتمع موجة قفزية من الإحباط.
الحل القصير المدى هو مرونة محيطية من دون المساس ببنية اتخاذ القرار: فتح النوافذ، لكن إبقاء الصمام الرئيسي بيد النواة الصلبة.
عادةً ما تهدّئ الامتيازات الصغيرة تضخّم التوقعات لبضعة أسابيع أو أشهر. يلتقط المجتمع أنفاسه، تتراجع المطالب الأمنية، وتتحول الدورة الإعلامية من المواجهة الحادة إلى متابعة التغييرات.
لكن إذا لم يترسّخ تحسن ملموس في معيشة الأسرة وحريات الحياة اليومية، يتبخر الأثر الأولي ويعود الإحباط، لكن بأشد مما كان، لأن المجتمع سيشعر بأنه خُدع.
لذلك، لكي يحوّل الخليفة شراء الوقت إلى بناء الوقت، لا مفر من بعض الإصلاحات المؤسسية الدنيا: شفافية في ميزانية الهيئات الخاصة، تقنين دور العسكريين في الاقتصاد، قبول رقابة عامة محدودة، وغيرها. من دون ذلك، ينتهي ركوب الموجة بالسقوط عن اللوح.
المخاطرة الحسابية
ثمة سيناريوهان ينذران بالخطر:
عودة القمع: حين يعاد تشغيل آلة البطش بعد فترة قصيرة بالقوة نفسها، فيرى المجتمع أن نافذة الفرصة أُغلقت، فتزداد الانقسامات الأمنية عمقًا.
التوقف المزمن: حين يبقى النظام في نصف إصلاح خوفًا من الانهيار الداخلي، فيقع الاقتصاد في "نظام انتظار" مغلق، لا يأتي المستثمر، لا يستهلك المواطن، ويستمر الاستياء البنيوي.
الكراهية المركّزة على خامنئي تمنح الخليفة "فرصة روائية" و"هامش خطأ"، خصوصًا إذا اقترنت ببعض الامتيازات الصغيرة المحسوبة.
والمقارنة مع تجربة خروشوف مفيدة على مستوى تقنيات التباعد واحتواء الغضب، لكن اختلاف المجتمع والإعلام وشبكات المصالح يمنع استنساخها.
إذا أراد الخليفة أن يبني «جسرًا» من موجة الكراهية، فعليه أن يدرك أن المجتمع اليوم لا يقبل الامتيازات الصغيرة إلا بوصفها "دفعة مقدّمة" لا "تسوية نهائية".
ودوام هذه الفرصة مرهون بتحويل إدارة الإدراك إلى إصلاح هيكلي أدنى؛ وإلا فإن الموجة التي يركبها اليوم ستبتلعه هو والبنية غدًا معًا.