في الوقت ذاته، تُسمع داخل إيران أصوات من البرلمان ومؤسسات أخرى تُصر على ضرورة الردع النووي؛ أحدث الأمثلة رسالة وقّعها 71 نائبًا في البرلمان يطالبون ببحث إنتاج وحيازة السلاح النووي. أما المرشد علي خامنئي فقد صرّح أمس بأن التفاوض "طريق مسدود تمامًا"، مؤكدًا على مواصلة تخصيب اليورانيوم.
خامنئي يفضّل الشهادة!
تصريحات خامنئي، التي تلتها تصريحات بزشكیان، توضح أن أولويات النظام ليست الأزمات المعيشية ولا احتياجات الناس اليومية، بل القضايا الأمنية والإقليمية. وهذا يعني توجيه الموارد المحدودة للبلاد نحو المجالات العسكرية والاستراتيجية، في حين يتحمل المواطنون تكلفة هذه الخيارات من قوت يومهم.
سلوك الرئيس الإيراني في الأمم المتحدة كان محاولة لإضفاء شرعية دولية على سياسات يرسم خطوطها خامنئي في طهران. ويبدو أن خامنئي قد اختار "شرب شراب الشهادة الحلو" ليصنع من نفسه ضريحًا مقدسًا، يتوافد حوله الباسيجيون بعد وفاته، يضربون على صدورهم تحت القبة مرددين: "إلهي، لقد فقدنا ظلّك من فوق رؤوسنا".
سيناريوهات محتملة
•السيناريو الأسوأ: إذا اندلعت حرب أخرى، فإن العبء الأكبر سيقع على العمال والمعلمين والممرضين والأسر تحت خط الفقر؛ هؤلاء الذين يعانون أصلًا ضائقة اقتصادية خانقة. حرب ثانية مع إسرائيل، إلى جانب العقوبات المتزايدة، والعزلة الدولية، والضغوط الاقتصادية الأشد على الطبقات الوسطى والفقيرة، ستكون كارثة على غالبية الشعب الإيراني. خامنئي يتجه بلا مواربة نحو هذه الحرب.
•السيناريو المتوسط: الاستمرار بالمسار الحالي - أي انسداد الدبلوماسية مع كُلف اقتصادية كبيرة، وعروض مسرحية على الساحة الدولية - والذي لن يُفضي إلا إلى احتجاجات متفرقة وضغوط اجتماعية متواصلة.
•السيناريو الأفضل (ولكن الأبعد احتمالًا): العودة إلى المسارات الدبلوماسية الفعّالة والتركيز على المطالب المعيشية للناس. وهذا لن يتحقق إلا إذا وقع تغيير جوهري في قمة هرم السلطة أو بفعل ضغوط واسعة من الرأي العام والنخب.
حرب حتى الفناء!
تُظهر تصريحات المرشد وسلوك بزشكیان في نيويورك صورة واضحة لأولويات النظام اليوم: التصعيد بدل الحوار، البحث عن شرعية خارجية بدل معالجة الأزمات الداخلية، وتركيز على الأمن على حساب المعيشة.
هذه السياسات تصب في مصلحة ترسيخ سلطة النظام وتعزيز نفوذه الإقليمي، لكن كلفتها تقع بالكامل على كاهل المواطن العادي. فما يُروّج له رسميًا باسم "المقاومة" و"الردع"، يترجم في الحياة اليومية إلى حرمان، وانعدام أمان، وضغط مضاعف. وهو مسار لا يقود إلى رفاه ولا استقرار، بل إلى تفاقم الأزمات وعزلة أكبر.