الصور المتبقية من أمهات وآباء القتلى والمعدومين، المذكرات، التوثيقات، روايات وتجارب السجناء وضحايا التعذيب، والاحتجاجات التي ظهرت على شكل رسائل علنية أو سرية، مراجعة السلطات القضائية والأمنية، أو اللجوء إلى المنظمات الحقوقية الدولية، كانت جميعها جزءًا من هذا المسار المستمر طوال 46 عامًا.
وقد تجلّت هذه الحركة أيضًا عبر الشعر الذي نظمه شعراء بارزون، الأغاني التي أدّاها مطربون معروفون من مرجان ومرضية وصولًا إلى مقاطع غنائية شبابية معاصرة، وكذلك في الأفلام التي صُوِّرت أحيانًا سرًا داخل البلاد وأحيانًا في المنفى، وفي المسرحيات السرّية، والقصص التي كتبها أدباء ضميرهم حيّ. كل ذلك كان محاولة للحفاظ على ذاكرة المطالبة بالعدالة حيّة.
المطالبة بالعدالة كانت وما تزال عملية جماعية متجذرة في المجتمع، تجسّدت في أفعال إبداعية ومؤثرة، وفي احتجاجات فردية وجماعية.
وخلال السنوات الأخيرة، سعى ناشطون مدنيون إلى إشراك المجتمع الأوسع في هذا المسار، عبر العمل مع السجناء، ضحايا التعذيب، ذوي القتلى والمعدومين، والناجين من القمع. وهؤلاء لعبوا دورًا محوريًا في تقوية حركة المطالبة بالعدالة في إيران.
في ثمانينيات القرن الماضي، حين لم يكن الدعم الشعبي والسياسي والاجتماعي واسعًا كما هو اليوم، تحمّلت العائلات معاناة هائلة في غرس بذور المطالبة بالعدالة داخل المجتمع، رغم الضغوط الحكومية والاجتماعية. لكنهم جعلوا من هذا التقليد التاريخي أكثر ثراءً ومعنى.
ومع استمرار وتزايد ظلم النظام الإيراني، تزايدت أعداد المطالبين بالعدالة واشتدّت مطالباتهم عامًا بعد عام. من ضحايا الإعدامات في الثمانينيات، إلى ضحايا الاغتيالات المتسلسلة، أحداث جامعة طهران، الحركة الخضراء، احتجاجات 2017 و2019، وصولًا إلى حركة "المرأة، الحياة، الحرية" عام 2022، كلها كانت حلقات متصلة في الحفاظ على جذوة المطالبة بالعدالة، حتى تحوّلت مع المجتمع المدني والنقابات والهيئات الثقافية والسياسية والاجتماعية إلى سلسلة قوية داخل المجتمع.
من صورة أم خاوران التي وقفت شامخة أمام مقابر بلا قبور، إلى حضن والدي مهسا أميني خلف جدران المستشفى وهم يقضون آخر لحظات ابنتهم بالدموع، إلى مشاهد الناشطين المناهضين للإعدام أمام السجون الذين أمضوا ليالي تنفيذ الأحكام مع العائلات، والصحافيين الذين دفعوا ثمن تغطية قضايا الضحايا بالسجن والتعذيب والمنفى... كلها شواهد على القوة الكامنة في حركة المطالبة بالعدالة.
المطالبة بالعدالة هي الطريق نحو التحرر عبر تحقيق العدالة التي داسها نظام استبدادي وحطّم أدوات الوصول إليها. إنها في صحراء الظلم شعلة مضيئة، وأمل في قلب اليأس، وجهد لرفض الهزيمة والاستسلام.
وقد أصبح المجتمع الإيراني، في مسعاه للمطالبة بالعدالة وكشف الظلم والتمييز من أجل محوه التاريخي، أحد أبرز النماذج في العالم.