وبعد قمع الاحتجاجات، طرح النظام خططًا جديدة لـ"تطبيق الحجاب"، فقام بتركيب كاميرات مراقبة للتعرف على النساء غير الملتزمات بالحجاب الإجباري، ما زاد من الضغط عليهن.
هذه القوانين لا تزال قائمة، لكن إصرار النساء والرجال الذين يدعمونهن جعلها إلى حد كبير غير قابلة للتنفيذ.
شينا، فنانة تبلغ من العمر 34 عامًا وتقيم في طهران، قالت لـ"إيران إنترناشيونال": "عندما أنظر إلى ثلاث سنوات مضت، إلى ذلك الوقت الذي بدا فيه أن النظام يسيطر تمامًا على الأوضاع، أدهش من شجاعة أولئك الذين كانوا يعلمون أنهم قد يُعتقلون أو يُستهدفون بالرصاص ويفقدون حياتهم أو بصرهم أو يمضون بقية أعمارهم على كرسي متحرك، ومع ذلك خرجوا إلى الشوارع".
وأضافت، وهي تستذكر احتجاجات 2022 وعنف النظام غير المسبوق ضد المتظاهرين، أن الثمن كان باهظًا جدًا: "الناس عادوا في النهاية إلى منازلهم، لكن لا أحد يشك في أن التغييرات التي تلت ذلك كانت تستحق العناء. الذين احتجوا سيعودون للاحتجاج، وكثيرون ممن بقوا في بيوتهم في ذلك الوقت، إذا تعرضت مكاسب النساء للخطر، سينزلون هذه المرة إلى الشوارع".
وتظهر تقارير الشهود والكم الهائل من مقاطع الفيديو المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي أنه حتى في مدن دينية مثل قم ومشهد، تغير مظهر النساء ولباسهن خلال السنوات الثلاث الماضية، أي منذ وفاة مهسا جینا أميني في سبتمبر (أيلول) 2022 أثناء احتجازها لدى دورية شرطة الأخلاق.
الاحتجاجات التي أعقبت ذلك قُمعت بدموية وبعنف قاتل. وكانت تهمة مهسا، بحسب رواية المسؤولين، مجرد ظهور بضع خصلات من شعرها من تحت الحجاب، رغم أنها كانت ترتدي معطفًا أسود طويلًا وسروالًا.
في ذلك الوقت، كانت دوريات شرطة الأخلاق موجودة يوميًا في الساحات ومحطات المترو ومراكز التسوق، حيث كانت توقف آلاف النساء وتعتقلهن أو تصادر سياراتهن.
أما اليوم، فأصبح وجود النساء من دون حجاب إجباري في المتاجر والبنوك والمطاعم وعربات المترو مشهدًا عاديًا.
لا عودة إلى الوراء
إضافة إلى هذه المكاسب، تختبر النساء يوميًا حدودًا جديدة.
طه، رجل يبلغ من العمر 55 عامًا ويعيش في طهران، قال لـ "إيران إنترناشيونال": "لا عودة إلى الوراء بالنسبة للنساء. المارد خرج من القمقم، ولا يمكن إعادته إليه".
وأشار إلى تغييرات تتجاوز مسألة اللباس، مضيفاً: "عقود طويلة كان ركوب الدراجات النارية للنساء من المحرمات. الآن انظروا كم من النساء يقدن الدراجات رغم حظر إصدار رخص لهن. مثلما قاومت النساء فرض الحجاب، فإن أعدادهن تتزايد يومًا بعد يوم، وفي النهاية سيجبرن النظام على التراجع".
الغناء والرقص في الأماكن العامة، وهو ما كان يومًا غير قابل للتصور، أصبحا اليوم أكثر حضورًا خصوصًا بين الشباب. وتنشر النساء مقاطع مصورة لعروضهن على وسائل التواصل الاجتماعي. كل خطوة تُضعف جزءًا من السيطرة المفروضة منذ عقود، تمامًا كما فعل نشر صور النساء من دون حجاب يومًا ما.
النساء لسن وحدهن
كثير من الرجال الإيرانيين يعلنون صراحة دعمهم لمطالب النساء في التحكم بملابسهن ومظهرهن وحياتهن.
علي رضا، والد فتاة وصبي مراهقين، قال لـ"إيران إنترناشيونال": "ابنتي تحلم بأن تصبح لاعبة جمباز أو راقصة باليه، أن تؤدي على المسرح وأن تشارك في مسابقات دولية. والفتيات الأخريات لديهن الأحلام ذاتها".
وأضاف: "نساء جيلي اضطررن للاستسلام وضاعت أحلامهن، لكن شباب اليوم لن يستسلموا. إنهم يعلمون أن الطريق لا يزال طويلًا، وأنهم بحاجة إلى دعمنا".
أما طاها، فأكد أن تضامن الرجال مع النساء أمر حيوي للتقدم: "رؤية النساء وهن يتجاوزن الحدود أمر رائع وملهم. علينا أن ندعمهن بكل الطرق الممكنة كي لا تعود بناتنا وزوجاتنا وصديقاتنا إلى الأدوار المفروضة عليهن".
وشدد على أن "ما حققته النساء الإيرانيات عبر سنوات من الصمود والتضحيات كان درسًا للجميع".