السؤال الجوهري هنا: هل سيشرب خامنئي "كأس السم" أم كما يقولون هم سيشرب "شراب الشهادة"؟ خيار لم يعد مقتصراً على شخصه أو حتى على أميركا؛ فجزء كبير من هذا القرار بات في أيدي إسرائيل وشخص نتنياهو.
صحيح أن ترامب يريد تراجع النظام الإيراني والتوصل إلى اتفاق، لكن عملياً، ظهرت إسرائيل ونتنياهو أكثر نشاطاً. فقد شدد نتنياهو في بداية رأس السنة اليهودية مجدداً على أن المهمة الأهم لحكومة إسرائيل وجيشها هي القضاء على "محور الشر" للنظام الإيراني.
هذا لا يقتصر فقط على تدمير الميليشيات التابعة للنظام الإيراني في المنطقة. في الواقع، الرسالة أوضح من أي وقت مضى: إسرائيل تسعى لضرب "رأس الأفعى"، أي استهداف كبار مسؤولي النظام الإيراني، وحتى شخص علي خامنئي.
في الداخل، يزداد الضغط على خامنئي للتحرك نحو التفاوض مع أميركا. كثير من المسؤولين، حتى أولئك الذين لعبوا أدواراً داخل النظام لسنوات، باتوا يصرّحون علناً بأن استمرار المواجهة مع أميركا لم يعد ممكناً.
لم يسبق في تاريخ النظام الإيراني أن ابتعدت قاعدته بهذا الشكل وبهذا الحجم عن قمته. يوماً بعد يوم، يظهر المزيد من الشخصيات في الساحة الرسمية والإعلامية لتقول إنه لا بد من إعادة النظر في السياسة الخارجية. بعضهم ذهب إلى حد المطالبة بأن يلتقي الرئيس الحالي، مسعود بزشكيان، بترامب بموافقة خامنئي لمنع تفاقم الأزمة.
لكن المؤشرات تدل على أن خامنئي لا ينوي مثل هذا التراجع. فكل التكهنات حول لقاء محتمل بين بزشكيان وترامب تبدو أقرب إلى أوهام إعلامية داخلية منها إلى واقع سياسي.
في الوقت ذاته، لم يُظهر ترامب أي رغبة في لقاء مسؤولي النظام الإيراني، وعلى خلاف الماضي، فإن أميركا هذه المرة، بخلاف فترة بايدن، لا تميل إلى التفاوض.
تقول التحليلات إن ترامب بسياساته العقابية وبالاستعانة بالضغط الإسرائيلي، قد أفسد لعبة كسب الوقت التي كان يعتمدها النظام الإيراني.
على خلاف أوباما وبايدن اللذين كانا يسعيان أكثر للحفاظ على الوضع القائم، انتهج ترامب في كلتا فترتيه الرئاسيتين سياسة أكثر وضوحاً تجاه النظام الإيراني. وكان قتل قاسم سليماني رسالة واضحة إلى خامنئي: لم يعد هناك مجال للعب المزدوج أمام أميركا.
وأوروبا أيضاً، باستخدامها "آلية الزناد"، تعيد عقوبات الأمم المتحدة. كل ذلك أوصل النظام الإيراني إلى مرحلة بات فيها تحت ضغط العقوبات القصوى، فيما خطر الحرب أصبح أكثر جدية من أي وقت مضى.
هل الحرب قادمة؟
وفق المعطيات الراهنة، إذا لم يقبل خامنئي بالتسوية، فإن احتمال الحرب قائم. حرب قد لا تستهدف البنى العسكرية فقط كما في الحروب التقليدية السابقة، بل قد يكون هدفها تدمير كامل لبنية السلطة في النظام الإيراني، بما في ذلك شخص المرشد الإيراني.
من المرجح أن تسعى إسرائيل إلى شن هجوم جوي كثيف، يكون هدفه المباشر ليس القواعد فحسب، بل خامنئي نفسه وكبار المسؤولين. الدفاعات الضعيفة للنظام الإيراني، إلى جانب الاختراقات الواسعة داخل بنيته، تجعل من الدفاع الفعّال عن قمة هرم السلطة أمراً شبه مستحيل.
وإلغاء العرض العسكري للقوات المسلحة، الذي كان يقام بانتظام لأكثر من أربعة عقود، إشارة واضحة إلى هذا الخوف الأمني. فالنظام الإيراني لم يعد قادراً حتى على إقامة مراسم رمزية، وذلك في العاصمة بالذات.
في ظل هذه الظروف، يواصل الجهاز الرسمي للنظام إطلاق التهديدات، لكن هذه التهديدات لم تعد تُؤخذ على محمل الجد داخلياً أو دولياً. الشعب، وأميركا، وإسرائيل، وحتى كثير من مسؤولي النظام، يدركون أن هذه التصريحات فارغة إلى حد بعيد.
اليوم يقف خامنئي عند لحظة مصيرية. إما أن يختار التراجع ويشرب "كأس السم"- أي يقبل باتفاق شامل مع أميركا ويتخلى عن التخصيب النووي وبرنامج الصواريخ الباليستية- أو أن يمضي في طريق "شراب الشهادة" ويدخل مسار الحرب وربما السقوط.