لقد أظهرت حالة حقوق الإنسان في إيران على مدى عقود ضرورة استمرار مهمة "المقرر الخاص"، لكن المجتمع المدني والنشطاء الحقوقيين طالبوا بتوسيع هذه الآليات.
وكانت المطالبة الأساسية لهم توفير أدوات تتجاوز مجرد إعداد التقارير، تشمل: التوثيق الدقيق، وجمع الأدلة، وتهيئة الأطر القانونية لملاحقة المسؤولين والمنفذين لانتهاكات حقوق الإنسان، حتى في المحاكم العابرة للحدود.
ولذلك، كان لتشكيل لجنة تقصي الحقائق وتحديد نطاق مهمتها أهمية خاصة. فقد تم تشكيل اللجنة في ديسمبر (كانون الأول) 2022، خلال اجتماع طارئ لمجلس حقوق الإنسان، مع اعتمادها على جهود المتابعة المستمرة من قِبل المؤسسات المدنية، وفتحت فصلاً جديدًا في مكافحة الإفلات من العقاب في إيران.
وكان من ضمن مهام هذه اللجنة، إلى جانب إعداد التقارير، التأكيد صراحةً على البحث، وفحص الأدلة، وتجهيز المستندات لاستخدامها في المحاكم الجنائية؛ وهي مهمة تختلف جوهريًا عن عمل المقرر الخاص.
وخلال أول عامين من نشاطها، أصدرت اللجنة تقريرين مهمين "Mandated Reports"، يشملان نتائج قانونية رئيسة، وتقريرًا مفصلاً موسومًا بـ "Conference Room Paper" يحتوي على مئات الصفحات من الشهادات والتحقيقات القانونية والجنائية، ومذكرة سياسات "Policy Paper" تركز على الأقليات قبيل اجتماع لجنة القضاء على التمييز، وتقرير تحديث حول حقوق المرأة، بإجمالي أكثر من ألفي صفحة من الوثائق والتحليلات القانونية.
وخلصت هذه التقارير والتحقيقات إلى أن انتهاكات حقوق الإنسان المنهجية وقعت في حالات متعددة، ويُصنف بعضها ضمن "جرائم ضد الإنسانية".
وكان التوصل إلى هذا الاستنتاج نقطة محورية في عمل اللجنة، رغم أن مهمتها اقتصرت على الفترة، التي سبقت مقتل مهسا أميني والاحتجاجات والقمع اللاحق.
ومنع هذا القيد اللجنة من الغوص العميق في الفترات السابقة التي شهدت أنماطًا مماثلة من القمع. فقبل احتجاجات 2022، شهدت إيران موجات واسعة من الاحتجاجات، بدءًا من يناير (كانون الثاني) 2018 وبلغت ذروتها في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019.
ورغم تسجيل العديد من الأدلة من تلك الفترة من قِبل المؤسسات المدنية وآليات حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، بقيت العودة إلى تلك الأحداث والتحليل العميق لها محدودة ضمن مهمة اللجنة.
وفي مارس (آذار) الماضي، مدّد مجلس حقوق الإنسان ولاية اللجنة للسنة الثالثة، ووسّع نطاق صلاحياتها، ما أتاح إمكانية فحص مزيد من القضايا والفترات السابقة.
ويشير هذا القرار إلى أن المجتمع الدولي لا يكتفي بفهم أهمية استمرار هذه الآلية، بل يحرص على تعميقها أيضًا.
واليوم، ومع وصولنا للذكرى الثالثة لانطلاق انتفاضة "المرأة، الحياة، الحرية"، يُطرح السؤال: "ما الذي يمكن توقعه من لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة في هذا العام الثالث لنشاطها؟".
وعلى الرغم من الأزمة المالية للأمم المتحدة والضغوط السياسية، تظل اللجنة نشطة وملتزمة بتقديم تقرير شفوي في الجمعية العامة في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وتقرير مفصل لمجلس حقوق الإنسان في مارس من العام القادم.
أهمية وجود لجنة تقصي الحقائق لحقوق الإنسان في إيران
تبرز أهمية اللجنة في بُعدين رئيسين: أولاً، تعزيز صوت الضحايا وعائلاتهم على المستوى الدولي، وثانيًا، توفير بنية قانونية لملاحقة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان.
ويمكن استخدام هذه الوثائق مستقبلاً كأدلة قوية في المحاكم الدولية أو العابرة للحدود.
وفي ظل محاولات النظام الإيراني المستمرة لإخفاء الحقيقة وإنكار أي مساءلة، يضمن وجود هذه الآلية عدم نسيان الجرائم واستمرار الإفلات من العقاب.
الآفاق المستقبلية والتوقعات المحتملة
من المتوقع أن تستمر اللجنة وغيرها من الآليات النشطة في الأمم المتحدة بالتوثيق، خلال الأشهر والسنوات المقبلة، وتعزيز التعاون مع الأجهزة القضائية الدولية والمؤسسات المدنية.
كما أن ربط تقارير اللجنة بالمسارات القانونية، مثل مبدأ الاختصاص القضائي العالمي، يمكن أن يمهد الطريق لمحاكمة مسؤولين من نظام طهران خارج إيران.
وإلى جانب ذلك، يجب على المجتمع المدني تعزيز دوره في تقديم المعلومات والشهادات والوثائق لإكمال دورة المساءلة.
وبعبارة أخرى، فإن الأفق المستقبلي ليس مجرد مسار قانوني، بل عملية سياسية واجتماعية وأخلاقية. ويمكن لهذه العملية أن تمارس ضغطًا أكبر على النظام الإيراني، وتدعم الضحايا، وتساهم في ردع المزيد من الجرائم.