بينما كان هؤلاء الأشخاص أنفسهم من المعماريين والمروجين للثورة التي أسقطت حكم الشاه في عام 1979. آنذاك، كانت الثورة بالنسبة لهم مقدسة وضرورية، أما اليوم، فهم يرون أن تطبيق نفس النسخة على الجيل الجديد أمر خطير وضار. التناقض في خطابهم واضح: الثورة كانت جيدة بالنسبة لهم، لكنها سيئة ومكلفة للشعب اليوم.
هذه الفئة، المعروفة غالبًا باسم "الإصلاحيين"، تستشهد اليوم بتجارب ثورات فرنسا وروسيا والجزائر وكوبا والربيع العربي لتقول إن الثورات لا تؤتي ثمارها، لكن في هذه التحليلات الموجهة لا يشيرون إطلاقًا إلى الكارثة التي صاحبت ثورة 1979؛ الثورة التي شاركوا فيها والتي أدت إلى قيام نظام يتمنى ملايين الإيرانيين اليوم نهايته.
إذا كانت الثورات سيئة، فلماذا صمتتم عن ثورة 1979؟ لماذا لا تتحدثون عن المجازر في ثمانينيات القرن الماضي، الإعدامات الواسعة، الاغتيالات المتسلسلة وقمع الانتفاضات الشعبية على يد النظام الإيراني؟
هل أولئك الذين ينتقدون روبسبيير كمدعي عام للثورة الفرنسية مستعدون أيضًا لإدانة خميني، لاجوردی أو صادق خلخالي؟ هل الذين يقولون اليوم للشعب "لا تثوروا" مستعدون للتحدث بسوء حتى عن زعيم ثورة 1979، أي الخميني؟ الواقع هو أنهم ليس لديهم هم العدالة، ولا الصدق في القول. همهم الوحيد الحفاظ على بقاء نظام كانوا شركاء في تأسيسه.
منذ الأيام الأولى لثورة 1979، تم ترسيخ القمع والإقصاء والعنف. أُعدم قادة الجيش، وأُزيل المعارضون السياسيون واحدًا تلو الآخر، وبدأت حرب الثمانية سنوات وغزو صدام مع أخطاء حسابية من قادة النظام، وأُرسل آلاف السجناء السياسيين في ثمانينيات القرن الماضي إلى الإعدام دون محاكمة عادلة، وحتى دون التحقق من هويتهم قبل الإعدام.
الاغتيالات المتسلسلة في التسعينيات، ترهيب المعارضين في الخارج، قمع الانتفاضات الشعبية في العقود المختلفة (من 1992 إلى 2022)، جريمة معتقل كهريزك، إطلاق النار المباشر على الشعب في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، وحركة المرأة، الحياة، الحرية… كل هذه الأحداث تشهد على حقيقة أن النظام الإيراني غير قابل للإصلاح.
يقول الإصلاحيون "لا للثورة، نعم للإصلاح"، لكن هؤلاء لا يستطيعون حتى إصدار بيان واحد دون تهديد أو اعتقال. عندما يؤدي نشر بيان حول التفاوض مع أميركا إلى فتح ملف قضائي ضد الإصلاحيين، فكيف يمكنهم إصلاح النظام؟
النظام الإيراني لا يمتلك شرعية شعبية، وفقد كفاءته، ولا يظهر أدنى علامة على رغبة في الإصلاح. الانتخابات ليست حرة، ولا يُقبل الاستفتاء الشعبي، ولا يُسمح بالاحتجاجات في الشارع. إذاً، لو كانت طرق الانتخابات والاستفتاءات والاحتجاجات السلمية مغلقة، هل تبقى وسيلة سوى الثورة؟
هل يجب أن يظل الشعب يدفع الثمن، يعاني، يُهان، ويصمت، فقط لأن الإصلاحيين الذين كانوا شركاء في الجرائم الماضية يقولون: "الثورة خطرة"؟
الحكام الحاليون في إيران كان لديهم فرصة للإصلاح عام 1979 بدل الثورة، لكنهم لم يستغلوها. تلك الثورة انتهت في النهاية بكارثة قيام نظام طهران. اليوم، الظروف مختلفة. اليوم، ليس فقط أن النظام لا يظهر أي رغبة في الإصلاح، بل كل محاولة للتغيير تُقابل بالعنف. لذلك، وعلى عكس عام 1979، الثورة اليوم ليست مجرد خيار، بل ضرورة.
ثورة هذه المرة ليست لتمكين الملالي والقادة العسكريين، بل لاستعادة حق الشعب في الحكم، والحرية، والعدالة، والرفاهية وكرامة الإنسان. إنها ثورة وطنية ضد ثورة أيديولوجية فاشلة. ثورة لإنهاء أربعة عقود من القمع، والنهب، والحرب، والإذلال والكذب.
أولئك الذين يتحدثون اليوم ضد الثورة ليسوا بدافع القلق على الشعب، بل من خوف سقوط النظام ومساءلتهم عن الجرائم التي شاركوا فيها. لذلك، الثورة ليست سيئة، بل واجب تاريخي لإنقاذ إيران.
باختصار، الشعب لم يعد يريد بقاء النظام الإيراني. الآن، سموها كما شئتم: ثورة، انتفاضة، حراك، إسقاط… المهم أن شعب إيران قد اتخذ قراره.