هل يجب على الإيرانيين القلق من اندلاع حرب جديدة؟

في الأيام الأخيرة، أصبح النقاش حول احتمال اندلاع حرب من أهم هواجس المواطنين في إيران. التصريحات المتناقضة للمسؤولين الرسميين أدخلت المجتمع في حالة من الارتباك والتعليق.
في الأيام الأخيرة، أصبح النقاش حول احتمال اندلاع حرب من أهم هواجس المواطنين في إيران. التصريحات المتناقضة للمسؤولين الرسميين أدخلت المجتمع في حالة من الارتباك والتعليق.
من جهة، أعلن محمد رضا عارف، نائب الرئيس الإيراني، أن على المواطنين ألا يقلقوا وأن الحرب غير مطروحة، ومن جهة أخرى، حذّر بعض المسؤولين الآخرين من أن احتمال الحرب جدي.
هذه التناقضات جعلت السؤال الرئيسي للكثير من المواطنين: "هل ستكون هناك حرب أم لا؟ وهل يجب أن نقلق أم لا؟"
قبل الحرب الأخيرة أيضاً، وعد المرشد علي خامنئي وبعض القادة العسكريين بأنه لن تكون هناك حرب، لكن في الواقع لم تندلع الحرب فقط، بل إن بعض هؤلاء الذين أعطوا هذه التطمينات قُتلوا في الساعات الأولى من الحرب. هذا الأمر أدى إلى تراجع حاد في الثقة العامة بالتحليلات الرسمية والحكومية.
كل فئة من المجتمع قلقة من المستقبل من زاوية مختلفة:
* الناس قلقون على أرواحهم وأمنهم وأمن عائلاتهم. لا يريدون أن يُزَجّوا بلا سبب في حرب ليس لهم دور في إشعالها.
* الناس أيضاً قلقون على الاقتصاد، والأعمال، وسعر الدولار، والذهب، والسلع الأساسية. إنهم لا يعرفون هل عليهم تخزين المواد الغذائية أم لا، وهل سيواجهون نقصاً ومجاعة أم لا.
* جزء من المجتمع قلق حتى من احتمال عدم اندلاع الحرب، وبالتالي بقاء النظام الإيراني في السلطة. هؤلاء عقدوا آمالهم على هجوم خارجي لتغيير الحكم؛ واقع مرير لكنه قائم في المجتمع الإيراني اليوم.
ورغم اختلاف الدوافع، فإن السؤال المشترك للجميع هو: هل ستكون هناك حرب أم لا؟
الوضع الراهن خلق نوعاً من "الترقب السياسي"؛ حالة من الانتظار، وانعدام الثقة، واللايقين، لها بحد ذاتها آثار سلبية كبيرة. حذر خبراء اقتصاديون من أن هذه الحالة من الترقب قد تُلحق بالاقتصاد الإيراني أضراراً تضاهي أضرار الحرب نفسها وتزيد من سوء الأوضاع المعيشية للناس.
الثقة العامة في تصريحات المسؤولين تلاشت. كثير من المواطنين لم يعودوا يصدقون أقوال المسؤولين التي تتكرر بلا توقف: "لا تقلقوا، لن تكون هناك حرب"، ويحاولون بدلاً من ذلك الاعتماد على مصادر إخبارية وتحليلية مستقلة لفهم مستقبل الأوضاع.
معظم الناس يريدون تغيير الوضع القائم. كثير منهم، حتى لو لم يكونوا مؤيدين للحرب، قد ينظرون إليها كوسيلة لإنهاء الحكم الحالي. ورغم أن كثيراً من المحللين يرون أن سقوط النظام الإيراني يجب أن يتم في النهاية على يد الشعب الإيراني نفسه، فإن جزءاً كبيراً من الناس يعقد الأمل على تدخل خارجي.
في الوقت الذي تقف فيه إيران على أعتاب عودة عقوبات الأمم المتحدة، لا تظهر أي مؤشرات على اتفاق جديد مع أميركا أو أوروبا. بينما يبالغ مسؤولو النظام الإيراني في الترويج لاتفاق فني محدود الأهمية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن هذا الاتفاق، حتى بحسب اعترافهم هم، سيكون بلا جدوى إذا عادت العقوبات.
من جهة أخرى، فإن بعض التصرفات الاستفزازية للمسؤولين، من بينها التهديد بصناعة قنبلة نووية أو استخدام روسيا لطائرات مسيرة من طراز إيراني في هجماتها على بولندا (العضو في الناتو)، زادت من حدة التوتر.
استخدام روسيا للطائرات المسيرة الإيرانية في الهجوم على بولندا دفع دول الناتو إلى الانخراط بشكل أكثر جدية في أزمة إيران. وقد طلبت بولندا رسمياً تفعيل المادة الرابعة من ميثاق الناتو؛ ورغم أن هذا يختلف عن تفعيل المادة الخامسة، فإنه قد تكون له عواقب عسكرية ثقيلة على إيران.
في الوقت نفسه، يجري في مجلس الأمن إعداد مشروع قرار لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة، وقد يُطرح للتصويت خلال 20 يوماً. وإذا أُقِرّ، فإن إيران ستعود مجدداً إلى تحت طائلة العقوبات الدولية المفروضة من 193 دولة. في حين يحاول مسؤولو النظام الإيراني التهوين من خطورة هذا الأمر وتهدئة الناس، إلا أن الواقع مختلف تماماً.
كذب المسؤولين وانتهاك القوانين الدولية
كثيراً ما اشتكى مسؤولو النظام الإيراني من انتهاكات الدول الأخرى للقوانين الدولية، بينما هم أنفسهم خرقوا هذه القوانين مراراً، بدءاً من الهجوم على السفارات وصولاً إلى مهاجمة أراضي دول مجاورة مثل قطر وباكستان.
والسؤال: نظام لا يعترف حتى بحقوق شعبه، كيف يمكنه الادعاء بالدفاع عن حقوق الآخرين؟
الجواب النهائي: هل ستكون هناك حرب؟
وفق المعطيات الراهنة، تتجه المؤشرات للأسف نحو اندلاع حرب. فلا اتفاق مع أميركا وأوروبا أُنجز، ولا بوادر لعودة جادة إلى الدبلوماسية. ومع احتمال عودة العقوبات، يزداد خطر الحرب بصورة أكبر.
إسرائيل، الطرف الرئيسي في مواجهة النظام الإيراني بالمنطقة، أكدت مراراً أنه يجب "سحق رأس الأفعى". وهذا يعني أن التخطيط لحل عسكري جارٍ بالفعل.
لذلك، إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه، فإن اندلاع الحرب محتمل، والسؤال الوحيد هو: متى؟ عاجلاً أم آجلاً.
هل يجب أن يقلق المواطنون؟ للأسف، الجواب هو: نعم، يجب أن يقلقوا.
مع نظام لا يسعى لرفاهية شعبه ولا يضمن أمنه، ومع سياسات تقود إلى إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة، ومع إدارة تجر البلاد إلى توترات إقليمية ودولية بلا مبرر، فإن على المواطنين ألا يقتصر قلقهم على مجرد الخوف، بل يجب أن يكونوا مستعدين لمواجهة تبعات جسيمة تشمل الحرب وأزمات اقتصادية أوسع.
وما دام النظام الإيراني قائماً، فإن خطر الحرب، والعقوبات، والمزيد من الانهيار الاقتصادي، وفقدان الأرواح والممتلكات سيبقى قائماً. السبيل الوحيد للخلاص هو تجاوز النظام الإيراني.