بعض الركاب نزَلوا في منتصف الطريق، وبعضهم الآخر لا يزال جالساً ينتظر ليرى أين ينتهي الطريق.
هذه الصورة تمثل إيران اليوم؛ دولة عالقة في أزمات هيكلية في الحكم، ليست نتيجة حادثة واحدة، بل نتاج مرض مزمن. أزمة في الإدارة، أزمة في اتخاذ القرار، أزمة في الشرعية، والأهم من ذلك كله، أزمة في الكفاءة.
صيف 2025، الحر الشديد يحرق البلاد، وإيران تعاني من نقص في المياه والكهرباء. الحكومة تتخذ قراراً بـ"التوفير" فتغلق البنوك والدوائر، كأن فن إدارة الدولة يقتصر على إعلان الإغلاق.
ويصرح الرئيس الإيراني مسعود بزشكیان، أمام مديري وسائل الإعلام بوضوح: "لا أملك القدرة على الاختيار. لا مياه لدينا، لا كهرباء لدينا، الصناعة تواجه مشكلات، كل شيء مجبر عليه".
هذه الأقوال ليست مجرد شكوى، بل اعتراف رسمي بالعجز عن إدارة شؤون البلاد اليومية.
وهو يقدم قائمة بالأزمات: نقص المياه والكهرباء والغاز، التضخم، دعم المواد الأساسية، سوء الإدارة المتراكمة، استنزاف الموارد، وعجز الميزانية؛ يضيف أن أي قرار لا يمكن تنفيذه دون موافقة المرشد. حتى لو وُجد حل - والذي يبدو أنه غير موجود - فلا يملك السلطة لتنفيذه. هذا تعريف واضح لمأزق الحكم.
الموارد الفارغة والأولويات المعكوسة
في السياسة الداخلية، بزشكیان بلا سلطة تنفيذية. الموارد الوطنية تُستهلك في قطاعات بلا مردود اجتماعي، في حين تبقى الاحتياجات الأساسية والحيوية للبلاد عالقة.
أما في السياسة الخارجية، فيكشف بجملة بسيطة عن هشاشة البلاد: "إذا بنينا البرنامج النووي، سيضربوننا مرة أخرى".
هذا الكلام يتناقض تماماً مع الرواية الرسمية للنظام الإيراني عن "الانتصار" في الحرب التي استمرت 12 يوماً.
الحرب التي عرضتها وسائل الإعلام الحكومية على أنها انتصار كبير، يعترف رئيس الحكومة في النظام الإيراني بأن البلاد في موقف يمكن فيه أن تكون مشاريعها الحساسة هدفاً للهجوم التالي.
خارج مكتب الرئاسة، حذرت 76 شركة مستوردة للأعلاف من أن مخزونها وصل إلى أدنى مستوياته في عدة سنوات، وأن سوق اللحوم والدواجن والألبان على شفا أزمة غير مسبوقة، قد تصبح غير قابلة للتعويض مع أي توتر عسكري.
مع ذلك، بدلاً من معالجة المشكلة فوراً، تعطي وزارة الجهاد الزراعي الأولوية للشركات الحكومية و"الخاصة التابعة للدولة" في تخصيص العملات، تاركة القطاع الخاص ينتظر لشهور.
لسنوات كان يُقال للشعب: "ليس لدينا شيء، لكن لدينا الأمن". اليوم لم يبقَ ذلك "الشيء" ولا الأمن. الحرب وصلت إلى أحياء طهران، وسماء إيران تحت تهديد إسرائيل، ووزير الدفاع الإسرائيلي يهدد خامنئي علناً: "عندما تخرج من الملجأ، انظر أحياناً إلى السماء…" هذه الجملة تعني أن المرشد الإيراني أصبح تحت تهديد مباشر.
الواقع في إيران اليوم يُظهر خطين متوازيين: شعب يجد طرقاً للبقاء بفضل المبادرة والجهد، وحكومة تعدّ فقط الأزمات وتزيدها.
هذا الوضع يعني أن إيران لا تزال على متن نفس الحافلة بلا فرامل التي تتجه نحو الهاوية. إذا كانت الحكومة خلف المقود غير قادرة على تأمين المياه والكهرباء، وإقامة الأمن، وإدارة الأزمات، وتعترف بهذا العجز، أليس الوقت قد حان لفصل مصير إيران عن مصير النظام الإيراني؟
المسؤولية اليوم تقع على الركاب الذين يجب أن يختاروا طريقاً آخر قبل الوصول إلى حافة الهاوية، طريق ينقذ إيران من السقوط المحتم.