أزمة الكهرباء تكشف التمييز الطبقي في إيران

"لم نتمكن من فصل شبكة الكهرباء عن بعض الأماكن الحساسة في مناطق سكنية؛ ولذلك لا تُقطع الكهرباء عن تلك المناطق. لكننا نَعِد بأنه في العام المقبل سنقطع الكهرباء عن الجميع بشكل متساوٍ".
"لم نتمكن من فصل شبكة الكهرباء عن بعض الأماكن الحساسة في مناطق سكنية؛ ولذلك لا تُقطع الكهرباء عن تلك المناطق. لكننا نَعِد بأنه في العام المقبل سنقطع الكهرباء عن الجميع بشكل متساوٍ".
هذه الجملة التي قالها حسين سوري، رئيس إدارة الكهرباء في قضاء قدس، ليست مجرد اقتباس عن مسؤول محلي، بل هي اعتراف صريح بالتمييز البنيوي في إدارة الخدمات العامة في النظام الإيراني.
اعتراف يكشف أن توزيع الكهرباء في هذا النظام هو أيضاً "أمني" و"طبقي".
في الواقع، تقوم الحكومة بتوزيع الخدمات العامة لا على أساس الحاجة العامة، بل على أساس القرب الجغرافي أو السياسي من مؤسسات السلطة.
في منتصف صيف عام 2025، وصلت درجات الحرارة في الأهواز إلى 53 درجة، وفي بندر عباس إلى 51 درجة، وفي جنوب طهران إلى أكثر من 40 درجة.
في مثل هذه الظروف، تؤدي انقطاعات الكهرباء إلى تعطيل أجهزة التبريد، ويُترك المرضى دون أجهزة، ويتعرض الأطفال في الشقق غير المكيّفة لضغط الحر الشديد.
العمال، والمعلمون، والمتقاعدون، والفئات الفقيرة من المجتمع يعانون في الظلام والحرارة؛ بينما تبقى المناطق المجاورة للمؤسسات الأمنية، ومقرات الحرس الثوري، ومكاتب أئمة الجمعة، أو الدوائر الحكومية في مدن مثل طهران، وتبريز، ومشهد، في مأمن من هذه الانقطاعات.
هذا التوزيع غير العادل هو مؤشر على الفجوة المتزايدة بين "الشعب" و"النظام" حتى في أبسط الاحتياجات الحيوية.
من وعد التنمية إلى تقاسم المعاناة
كان النظام الإيراني قد وعد بأنه سيعالج مشكلة عدم التوازن في الكهرباء بحلول مارس (آذار) 2025 من خلال بناء محطات توليد وزيادة القدرة الإنتاجية. لكن لم يتم تشغيل جزء كبير من المشاريع الموعودة، بل ارتفع عجز التوازن إلى أكثر من 18 ألف ميغاواط؛ أي أن الاستهلاك يفوق الإنتاج الكهربائي بفارق كبير.
وفي مواجهة هذه الأزمة، بدلاً من إصلاح البنية أو تطوير البنى التحتية، وجد النظام الحل في "تقاسم المعاناة"؛ معاناة تُفرض من خلال انقطاعات الكهرباء الواسعة.
في النظام الإيراني، لم يعد انقطاع الكهرباء مجرد مشكلة فنية أو بنيوية، بل تحوّل إلى سياسة لتنظيم غير عادل للسلطة والموارد.
في هذا النموذج، لم تعد العدالة تعني التوزيع العادل للموارد، بل تعني تعميم المعاناة بالتساوي. فإذا كان البعض بلا كهرباء، فيجب أن يُقطع التيار عن الآخرين أيضاً حتى تتحقق "العدالة".
هذا المنطق المعكوس يتكرر في مجالات أخرى أيضاً. ففي مثل هذا النظام، تصبح العدالة أداة لترسيخ سيطرة النظام بدلاً من رفع التمييز. وبعبارة أخرى، لا يكتفي النظام الإيراني بعدم القدرة على تحقيق العدالة، بل يقوم أيضاً بتحريف معناها.
انقطاع الكهرباء لا يعني مجرد ساعات من الظلام. انقطاع الكهرباء يعني فساد الأدوية في الثلاجات؛ يعني تعرّض حياة مرضى الغسيل الكلوي الموصولة أجهزتهم للخطر؛ يعني أن المخبز لا يستطيع إنتاج الخبز؛ يعني أن العامل يتوقف عن الإنتاج في ورشة العمل بلا كهرباء؛ يعني غضباً يتراكم في قلوب الناس؛ يعني انعدام الثقة، وانعدام المساواة.
لقد أصبح انقطاع الكهرباء الآن سياسة في الحُكم؛ سياسة لا تهدف إلى "الإنارة"، بل إلى "الإطفاء".