لماذا سيخسر النظام الإيراني في الحرب المقبلة أيضًا؟

يستعد كل من النظام الإيراني وإسرائيل لاحتمال اندلاع حرب جديدة.
يستعد كل من النظام الإيراني وإسرائيل لاحتمال اندلاع حرب جديدة.
بعد الهزائم الثقيلة التي مُني بها النظام في الحرب الأخيرة، أجرى تغييرات في هيكليته السياسية والعسكرية؛ من تشكيل "مجلس الدفاع" إلى إزاحة علي أكبر أحمديان من منصبه كأمين عام للمجلس الأعلى للأمن القومي وتعيين علي لاريجاني بدلًا منه، في مؤشر على مراجعة اضطرارية لبنية القيادة العسكرية وصنع القرار.
فقد النظام عددًا من أبرز قادته القدامى وذوي الخبرة خلال الحرب الماضية، ويدفع اليوم بقادة جدد إلى الواجهة، ليقودوا الحرب المقبلة - إن اندلعت - ضد إسرائيل وربما أميركا.
لكن السؤال المحوري هو: هل يتمتع هؤلاء القادة الجدد والبنية التنظيمية المعدّلة بالكفاءة اللازمة لخوض حرب حديثة ومعقدة؟
في الرواية الرسمية للنظام، لا يُعترف بالهزيمة في الحرب السابقة، لكن الوقائع الميدانية والتغييرات الواسعة على مستوى القيادة العسكرية تكشف أن النظام نفسه يدرك فشله، ويعتبر البنية القائمة غير كافية لخوض حرب مستقبلية.
صحيح أن أسماء بعض القادة الجدد قد أُعلنت، لكن آخرين ظلوا طيّ الكتمان خشية اغتيالهم من قبل إسرائيل.
ومع ذلك، تُظهر التجارب أن هذا التكتّم لم يمنع إسرائيل من اختراق المنظومة الاستخباراتية للنظام. فمثلًا، قبل الحرب الأخيرة، لم يكن حتى معظم الصحفيين يعرفون هوية قائد وحدة الصواريخ في "الحرس الثوري"، لكن إسرائيل كانت تعرف تمامًا؛ فقد استهدفت محمود باقري وقتلته في الساعات الأولى من المواجهة.
الأمر نفسه تكرر مع شخصيات مرتبطة بالبرنامج النووي؛ فبرغم فرض قيود على وصول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إليهم، نجحت إسرائيل في اغتيال عدد منهم، في دلالة واضحة على فشل الأساليب الأمنية البسيطة التي يعتمدها النظام.
يأتي تشكيل "مجلس الدفاع" وإعادة ترتيب القيادات في وقت يعاني فيه النظام من ضعف بنيوي في أربع ركائز أساسية تُعدّ حاسمة في أي حرب: القدرات العسكرية، الدبلوماسية، الاقتصادية، وعلاقته بالشعب.
1- ضعف القدرات العسكرية
في الحرب الأخيرة، سيطرت إسرائيل بالكامل على الأجواء الإيرانية، ونفذت أكثر من 1400 طلعة جوية، استهدفت نحو 1500 موقع، دون أن تُسقط إيران طائرة إسرائيلية واحدة. الدفاع الجوي الإيراني شُلّ عمليًا، والقوات البحرية والبرية بقيت خارج المعادلة نظرًا لطبيعة الحرب الجوية.
الجانب الوحيد الذي استطاع النظام استخدامه نسبيًا هو الصواريخ، لكن هذه القدرة لم تكن كافية لتغيير مسار المعركة.
على مستوى القيادة، امتلكت إسرائيل تفوقًا مطلقًا؛ لم يُقتل أي من قادتها، بينما قُضي على عدد كبير من كبار القادة الإيرانيين في الساعات الأولى من القتال.
القادة الجدد الذين عُينوا لاحقًا يفتقرون إلى الخبرة، بل إن معظمهم ورث ذهنية تقليدية متأثرة بحرب الثمانينات ضد العراق، وهي ذهنية لا تتناسب مع حروب اليوم القائمة على الذكاء الاصطناعي والأسلحة الذكية.
2- العزلة الدبلوماسية
على عكس السنوات السابقة التي كان النظام الإيراني يستفيد خلالها من التباينات بين أوروبا وأميركا، فإن أوروبا اليوم انضمت عمليًا إلى الجبهة المناهضة للنظام.
الضغوط السياسية والأمنية لم تعد تقتصر على واشنطن وتل أبيب، بل تأتي أيضًا من عواصم أوروبية. هذا الوضع زاد من عزلة طهران، التي لم تعد قادرة على حشد الحلفاء في المنطقة أو العالم.
3- الأزمة الاقتصادية
الاقتصاد الإيراني يمر بانهيار واسع النطاق: أزمة مياه، انقطاعات كهرباء، تضخم متصاعد، نقص في الغاز، انهيار البورصة، هروب رؤوس الأموال، عجز عن بيع النفط بحرية أو تحويل عائداته، فساد بنيوي، إفلاس صناديق التقاعد، وتأخير في دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين، إلى جانب احتمال وشيك بعودة العقوبات الأممية.
في ظل هذه الظروف، باتت قدرة النظام على الصمود اقتصاديًا في وجه حرب جديدة شبه معدومة، بل إن الانهيار يلوح حتى في غياب أي حرب.
4- الفجوة بين النظام والشعب
واحدة من أهم مقومات الانتصار في أي حرب هي القاعدة الشعبية الداعمة.
أما في إيران، فالغالبية الساحقة من الشعب باتت معارضة للنظام. الناس يريدون نظامًا منتخبًا يحترم معيشتهم وخياراتهم وحرياتهم الأساسية.
القمع، الحجاب الإجباري، الفلترة، والقيود الاجتماعية، كلها عمّقت الهوة بين النظام والمجتمع.
وفي الحرب الأخيرة، لم يُظهر الناس دعمًا للنظام، بل تضامنًا مع بعضهم البعض. كثيرون تمنّوا أن تسفر الحرب عن سقوط النظام برمّته.
حين يكون النظام الإيراني مأزومًا عسكريًا ودبلوماسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، فإن الحديث عن إمكانية فوزه في الحرب المقبلة لا يستند إلى منطق.
تشكيل "مجلس الدفاع" وتبديل الأسماء لا يغيّر شيئًا من الواقع البنيوي. هذه خطوات لا تعدو كونها محاولات لتشديد حزام الأمان قبل الانهيار، في مواجهة ما قد يكون عودة العقوبات، أو هجومًا إسرائيليًا–أميركيًا، أو حتى انتفاضة شعبية.
النظام الإيراني خسر الحرب الماضية. والحرب القادمة - إن وقعت - قد لا تكون مجرد هزيمة أخرى، بل ربما تمثّل نهاية الطريق لهذا النظام.