"بنك معلومات الإيرانيين في الخارج".. تسهيل للإجراءات أم أداة جديدة للمراقبة؟

يصف النظام الإيراني، منذ سنوات، الإيرانيين المقيمين في الخارج بأوصاف مثل "مخدوعين"، و"مرتبطين بالخارج"، أو حتى "جواسيس".
يصف النظام الإيراني، منذ سنوات، الإيرانيين المقيمين في الخارج بأوصاف مثل "مخدوعين"، و"مرتبطين بالخارج"، أو حتى "جواسيس".
لكن الآن، وبحركة تبدو مختلفة ظاهرياً، طرح النظام مشروع قانون تحت عنوان "دعم الإيرانيين في الخارج"؛ وهو مشروع قانون يُلزم الحكومة بموجبه بإعداد بنك معلومات شامل عن هؤلاء المواطنين خلال ستة أشهر، وتقديم تقرير سنوي عن أوضاعهم إلى لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني.
تنص المادة الخامسة من هذا المشروع على أن وزارة الخارجية مُلزَمة بإعداد بنك معلومات شامل عن الإيرانيين المقيمين في الخارج وتصميم آليات لإقامة "اتصال دائم" بهم.
كما تُلزَم الحكومة بتقديم تقرير سنوي عن أداء هذا البنك إلى لجنة الأمن القومي في البرلمان.
ظاهرياً، تُطرَح أهداف مثل تسهيل الخدمات القنصلية، واستقطاب النخب، وتعزيز التواصل مع الإيرانيين في الخارج، لكن النص لا يشير من قريب أو بعيد إلى أن تسجيل المعلومات اختياري، ولا إلى وجود رضا فردي أو شفافية في طريقة جمع البيانات أو ضمانات لحماية الخصوصية.
هذا النظام أقرب إلى أداة لتعقّب، وتصنيف، ومراقبة المهاجرين الإيرانيين، منه إلى وسيلة للتفاعل الطوعي.
التجربة الحيّة للمهاجرين: عودة بطعم الاعتقال
في الذاكرة الجمعية للإيرانيين المقيمين في الخارج، لا ترتبط العودة إلى الوطن بالترحيب، بل بالاستدعاء، أو الاعتقال، أو الصمت القسري.
الشخصيات التي عادت إلى الوطن وواجهت ملفات أمنية، واستجوابات قاسية، وحرماناً اجتماعياً، تشهد على هذه الذهنية الأمنية.
حتى الشعارات من قبيل "الإيراني هو إيراني، سواء في الداخل أو في الخارج"، التي يرددها رئيس البرلمان في جنيف، لا تعني في الواقع سوى مظهر دبلوماسي فارغ.
في وقت تواجه فيه إيران أزمات اقتصادية، واجتماعية، وبيئية متعددة مثل انقطاع المياه والكهرباء، والقمع الواسع، والهجرة المتزايدة، يبرز سؤال مهم: لماذا تذكّر النظام الآن "الإيرانيين في الخارج"؟ هل هذا المشروع محاولة لاستعادة الثقة، أم غطاء لتعزيز الشبكات الرقابية والأمنية العابرة للحدود؟
تجربة الأنظمة المعلوماتية السابقة للنظام الإيراني، من تسجيل الدعم النقدي وبطاقات الوقود إلى أنظمة تتبع النشطاء السياسيين، أثبتت أن "بنك المعلومات" في هذا النظام لا يحمل مفهوماً إدارياً فحسب، بل غالباً ما يتحول إلى أداة لإعداد الملفات والسيطرة.
الهجرة أم التجريم الصامت؟
النظام الإيراني يقول الآن إنه يعفو عن المهاجرين الإيرانيين، لكن هذا "العفو" يشير إلى أية "جريمة"؟ هل الهجرة أو الدراسة أو العيش بحرية تُعدّ جريمة؟ كيف يمكن لحكومة كانت مسؤولة عن مصادرة ممتلكات، وتهديد، وتعذيب، وسجن آلاف الإيرانيين، أن تتقمص الآن دور المُسامِح؟
هذا هو نفس المنطق المعطوب الذي يصور المهاجر كمذنب، والنظام كقاضٍ ومُسامح. في مثل هذا الهيكل، تحلّ الشكوك والإدارة الأمنية محل الشفافية والثقة.
مشروع قانون "دعم الإيرانيين في الخارج"، في الواقع، ليس استجابة لحاجات إنسانية أو حقوقية أو ثقافية للمهاجرين، بل هو تجلٍّ لنفس النظرة الأمنية العميقة الجذور لدى النظام الإيراني؛ نظرة ترى في المجتمع لا مواطنين، بل كتلة سكانية محتملة الخطورة. هي النظرة نفسها التي تتجلى داخل البلاد بالقمع، وخارجها بالتعقّب والسيطرة.
في ظل غياب أي ضمان قانوني لحماية الخصوصية، ومن دون شفافية أو موافقة فردية، فإن "بنك المعلومات" الوارد في هذا المشروع ليس سوى أداة جديدة للمراقبة، والسيطرة، والإدارة السياسية للمجتمع المهاجر. إنها نفس الذهنية القديمة، في ثوب جديد.