عام من "إخفاقات" الرئيس الإيراني

مر عام على تولي مسعود بزشكيان رئاسة الجمهورية في إيران، فترة لم تفشل فقط في تحقيق الوعود الانتخابية، بل أخفقت بشكل واضح في ثلاثة مجالات رئيسية: السياسة الخارجية، الاستجابة لمطالب الشعب، وحل الأزمات الاقتصادية.
مر عام على تولي مسعود بزشكيان رئاسة الجمهورية في إيران، فترة لم تفشل فقط في تحقيق الوعود الانتخابية، بل أخفقت بشكل واضح في ثلاثة مجالات رئيسية: السياسة الخارجية، الاستجابة لمطالب الشعب، وحل الأزمات الاقتصادية.
تولى بزشكيان منصبه في قصر باستور في وقت كان النظام يسعى فيه لإعادة بناء صورته بعد الوفاة المشبوهة لإبراهيم رئيسي وإجراء انتخابات مبكرة. لكن المشاركة المنخفضة في الانتخابات كانت رسالة واضحة للسلطة: "لا نصدق هذه اللعبة". لا الانتخابات الشكلية، ولا الرئيس، ولا وعود الإصلاح الزائفة.
أدركت غالبية المجتمع، بناءً على تجارب الانتخابات السابقة الفاشلة، أن رئاسة الجمهورية في إيران بلا صلاحيات فعلية، وأن كل شيء ينحصر في بيت المرشد والحرس الثوري.
حتى مجلس صيانة الدستور وآليات الرقابة خلقت فضاءً مغلقًا بحيث لم يعد هناك شيء اسمه "انتخابات حقيقية"، بل بقيت مجرد مسرحية انتخابية.
مع ذلك، ذهبت أقلية إلى صناديق الاقتراع. صوت الكثير منهم لبزشكيان بدافع تحليل مفاده أن "مجيء جليلي سيؤدي إلى الحرب". لكن سرعان ما اتضح مدى سذاجة وخطأ هذا التحليل.
كشفت نتائج الانتخابات أن هيكل السلطة بأكمله، بما في ذلك المحافظون والإصلاحيون، بات في الأقلية. كانت المشاركة الحقيقية، على عكس الإحصاءات الرسمية التي أشارت إلى 40 بالمائة، أقل بكثير، ورسالة الشعب واضحة: "لا نثق بكم ولا بانتخاباتكم".
رغم ذلك، ادعى بعض المقربين من بزشكيان أنه "خيار النظام" ويحمل مهمة مزدوجة: التواصل مع العالم والاستجابة للمطالب الداخلية.
كما أعلن اقتصاديون بارزون، مثل مسعود نيلي، أنه إذا كان بزشكيان جادًا في التغيير، فعليه اتخاذ ثلاث خطوات أساسية:
1. إعادة بناء العلاقات مع أميركا وأوروبا.
2. الالتفات إلى المطالب السياسية والاجتماعية للشعب.
3. حل الأزمات الاقتصادية.
لكن مر عام ولم يتحقق هذا المسار، بل دخلت البلاد في حرب شاملة. وبدلاً من التغيير، تحول بزشكيان إلى مجرد منسق لوجستي لحرب خامنئي والحرس الثوري.
وكما حذر المحللون منذ البداية، فإن السلطة الحقيقية تكمن في بيت المرشد، وليس في قصر باستور. وفي ظل عجز مالي كبير في الموازنة، وجد بزشكيان نفسه مضطرًا لتأمين تمويل الحرب.
وعلى عكس ما ادعي، لم يكن لبزشكيان أي دور في السياسة الخارجية. فالملف النووي، والعلاقة مع أميركا، وقرارات الحرب كانت جميعها في يد خامنئي وقادة الحرس. واقتصر دور بزشكيان على مراقبة الأحداث وتأمين موارد الحرب.
لكن الكارثة لم تقتصر على الحرب مع أميركا وإسرائيل. فقد وصلت العلاقات مع أوروبا، التي كانت دائمًا ملاذًا آمنًا للنظام الإيراني، إلى أسوأ حالاتها. فرنسا، ألمانيا، وبريطانيا ليست فقط في مواجهة علنية مع طهران، بل وضعت مهلة 45 يومًا تشمل:
1. بدء مفاوضات مع أميركا.
2. التعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
3. توضيح مصير 408 كيلوغرامات من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمائة.
وإذا لم يمتثل النظام الإيراني لهذه الشروط، ستلجأ أوروبا إلى "آلية الزناد"، وستعود العقوبات الأممية، وهو فشل كبير ليس فقط لبزشكيان، بل لكامل هيكل السلطة.
هذه الأزمة هي ثمرة النظرة الأيديولوجية لخامنئي للعلاقات الخارجية. في يوم مراسم التنصيب، كان واضحًا أن المرشد قال صراحةً إن "توسيع العلاقات مع أوروبا ليس أولويتنا".
وبعد عام، أصبحت نتيجة هذا التوجه واضحة: مواجهة شاملة مع أوروبا والبلاد على أعتاب مرحلة جديدة من العزلة الدولية.
داخليًا، لم تُنفذ وعود بزشكيان بالحريات الاجتماعية ورفع الحجب، بل ساءت الأوضاع.
لا يزال الحجب مستمرًا؛ "إنستغرام"، "تلغرام"، "إكس"، و"يوتيوب" محجوبة. بل إن "الإنترنت الطبقي" أصبح رسميًا؛ إنترنت حر للنخبة وإنترنت محجوب للعامة.
من ناحية أخرى، تمت المصادقة على مشروع قانون مكافحة الفضاء الافتراضي بأولوية عاجلة في الحكومة. ادعى مكتب الرئاسة أن بزشكيان "فوجئ" بهذا القانون. إذا كان هذا الادعاء صحيحًا، فهذا يعني أن الرئيس لا يعلم حتى بما يُقر في حكومته. وإذا كان كاذبًا، فهذا يعني أنه يؤيد تقييد الإنترنت وإسكات الشعب. في كلتا الحالتين، الأمر مؤلم ومثير للأسف.
حتى في المجال الاقتصادي، كان سجل حكومة بزشكيان فاشلاً تمامًا. التضخم المرتفع، زيادة أسعار الخبز، أزمة غير مسبوقة في المياه والكهرباء في العديد من المحافظات، وسخط شديد من المتقاعدين، والفلاحين، والموظفين وغيرهم من الفئات على الأوضاع المعيشية، كلها دلائل على أن هذه الحكومة لا تملك حلولاً، بل هي جزء من المشكلة.
يزعم أنصار بزشكيان الآن أنه "بلا صلاحيات، وأن خامنئي والحرس الثوري يسيطران على كل شيء".
لكن، ألم يحذر المحللون منذ البداية؟ ألم يؤكدوا أن بزشكيان ليس سوى أداة في يد بيت المرشد؟
ألم يشددوا على أن التصويت له مجرد وهم زائف؟
الآن، مع اندلاع الحرب، وتصاعد الأزمة مع أوروبا، وتلويح العقوبات العالمية بالعودة، وتدهور أوضاع الشعب يومًا بعد يوم، هل يستطيع الذين قالوا إن "بزشكيان خيار النظام وجاء للتعاون" أن يجيبوا؟ هل تحقق التعاون؟ هل جاء الهدوء؟
الجواب واضح: فشل تلو فشل.
وما نراه اليوم ليس نتيجة خطأ بزشكيان، بل نتيجة نظام سياسي استبدادي يفتقر إلى المسؤولية.