ووفقًا للمنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، تم ترحيل نحو 700 ألف أفغاني من إيران في النصف الأول من عام 2025، من بينهم 130 ألفًا تم ترحيلهم خلال أسبوع واحد فقط بعد الحرب التي استمرت 12 يومًا بين إيران وإسرائيل. كثير منهم عاشوا في إيران لعقود.
وهذه الحملة ليست استثناءً، بل هي امتداد لاستخدام النظام الإيراني السياسي المزمن لإحدى أكثر الفئات هشاشة في المنطقة.
ففي عام 1979، وخلال الغزو السوفيتي لأفغانستان، أعلن مؤسس النظام الإيراني، روح الله الخميني، أن "الإسلام لا يعرف حدودًا"، ورحّب باللاجئين الأفغان.
لكن هذا الترحيب بقي ضمن الإطار الأيديولوجي، إذ لم يقدم النظام أبدًا إطارًا قانونيًا أو إنسانيًا واضحًا لإدماجهم. دخل ملايين الأفغان إلى إيران، لكنهم حُرموا من الجنسية، والعمل القانوني، والتعليم، والرعاية الصحية.
وعلى مدى العقود، استُخدم المهاجرون الأفغان كأدوات قابلة للاستخدام حسب مقتضى الحاجة في سياسات النظام المتغيّرة في المنطقة.
فقد جُنّدوا للقتال في سوريا ضمن ما يُعرف بـ"لواء فاطميون"، واستُغلوا كقوة عاملة رخيصة بلا وثائق داخل إيران، وتعرّضوا بين الحين والآخر لتهديدات بالطرد الجماعي كجزء من موجات شعبوية رسمية.
وخلال لحظات الاضطراب الداخلي، غالبًا ما كان المهاجرون الأفغان يُستخدمون ككبش فداء لتحويل الغضب الشعبي.
تحت إدارة إبراهيم رئيسي، اتخذت سياسة الاستغلال هذه أبعادًا جديدة. فمنذ عودة طالبان إلى السلطة في عام 2021، تدفّق عدد هائل من اللاجئين الأفغان إلى إيران، إذ عبر ما يقارب مليوني أفغاني الحدود في غضون عامين فقط.
وبدلاً من صياغة سياسة هجرة شاملة، ترك النظام المناطق الحدودية تتحول إلى نقاط عبور فوضوية يديرها المهرّبون والمسؤولون الفاسدون.
كراهية الأجانب
في أعقاب الضربات الإسرائيلية المدمّرة على المواقع العسكرية والنووية الإيرانية، بلغ الغضب الداخلي ذروته.
فسعى النظام الإيراني إلى تحويل هذا السخط الشعبي من خلال تضخيم الروايات المعادية للأجانب، مصوّرًا الأفغان كتهديد للأمن القومي.
ورغم بعض المزاعم المتفرقة حول ارتفاع معدل الجريمة بين الأفغان، تظهر الأرقام الرسمية عكس ذلك.
فوفقًا للسلطة القضائية الإيرانية، يشكّل المواطنون الأفغان نحو 6% فقط من السجناء في إيران، وهي نسبة تقريبية تتوافق مع نسبتهم في السكان. وغالبية هذه القضايا تتعلق بالدخول غير القانوني أو مخالفات العمل، وليس الجرائم العنيفة أو المنظمة.
في عام 2001، بعد سقوط نظام طالبان، زرتُ مدينة تايباد الحدودية ومعبر إسلام قلعة القريب، وشاهدت شخصيًا العواقب الوحشية لهذه السياسة.
رأيتُ هناك مقابر جماعية للاجئين من الهزارة تم ترحيلهم قسرًا من قبل النظام الإيراني، ثم أُعدموا على يد مقاتلي طالبان في صحارى المنطقة.
كان النظام يعلم أن هؤلاء الشيعة الهزارة معرضون لخطر كبير، ومع ذلك اعتقلهم في مدن إيرانية، واحتجزهم في معسكرات شرقي البلاد، ثم رحّلهم إلى أيدي من صاروا لاحقًا قتلتهم. ولا تزال هذه الذكرى تطاردني حتى اليوم.
وقد أدّت موجة الطرد الأخيرة إلى شهادات مفجعة أخرى. هاجر شادماني، فتاة أفغانية تبلغ من العمر 19 عامًا وُلدت في شيراز، قالت لوكالة "فرانس برس" إنها أُجبرت على مغادرة المكان الوحيد الذي عرفته في حياتها.
ومع حرمانها من دخول الجامعات الإيرانية، والآن من التعليم تحت حكم طالبان، فإنها تواجه مستقبلاً غامضًا.
تدخلات ما وراء الحدود
تجاوزت تدخلات النظام الإيراني في أفغانستان نطاق حدوده بكثير. فعلى مدى العقدين الماضيين، لعب فيلق "أنصار" التابع للحرس الثوري الإيراني، والمتمركز في شرق البلاد، دورًا محوريًا في تنفيذ سياسة تدخّلية في الشأن الأفغاني.
وكان للمؤسسة العسكرية والاستخباراتية وجود فعلي داخل الأراضي الأفغانية، في حين أسست وزارة الخارجية الإيرانية مكتبًا خاصًا بشؤون أفغانستان، غالبًا ما كانت سياساته تتعارض مع أجندة الحرس الثوري.
وقد تسببت هذه التدخلات بزعزعة التوازن الداخلي في أفغانستان، وأجبرت آلاف المدنيين على الفرار.
علاوة على ذلك، قام النظام بتوطين عائلات النخب السياسية والعسكرية الأفغانية داخل إيران، ما خلق تبعيات عطّلت السيادة الأفغانية.
وكان هذا كله جزءًا من استراتيجية أوسع: فسياسة "الباب المفتوح" لم تكن إنسانية أبدًا، بل كانت تهدف إلى خدمة المصالح الاستراتيجية للنظام.
تصعيد الحرب النفسية
مع استمرار النظام في شنّ حرب نفسية ضد المهاجرين الأفغان، أصبحت تقارير عن عنف جماهيري، وحرائق متعمّدة، وضرب علني، أكثر شيوعًا.
وفي هذا المناخ الذي يهيمن عليه التحريض الرسمي، بات الإعلاميون المحافظون المتشددون يصوّرون أي دفاع عن حقوق الأفغان بأنه "خيانة وطنية".
وعلى صانعي السياسات والمدافعين عن حقوق الإنسان في واشنطن والعواصم الأوروبية أن يواجهوا استغلال النظام الإيراني للاجئين الأفغان.
فهذا المجتمع ليس أداة للعب السياسي، بل هم ناجون من بلد مزقته الحروب، ويجب ألا تُضحّى كرامتهم من أجل حسابات نظام مأزوم.
يستحق المهاجرون الأفغان العدالة والحماية، وفرصة للعيش دون خوف، لا أن يُقدَّر لهم جيل آخر من التشريد والموت.