ويقول مايكل بریجنت، الضابط السابق في الاستخبارات الأميركية: "كانت هناك لحظة، خلال تلك الاثني عشر يومًا من الضربات العسكرية الأميركية والإسرائيلية، بدا فيها أن النظام يهرب. الناس كانوا يراقبون عن كثب. كان هناك زخمٌ واضح. لكن في غياب ملاذ آمن أو دعم حقيقي، تُرِك من كانوا يفكرون في الانشقاق بلا وجهة".
وقد عاد الحديث عن الانشقاقات المحتملة إلى الواجهة بعد أن أعلن رضا بهلوي، ولي العهد الإيراني المنفي، أن أكثر من 20 ألف عنصر من القوات المسلحة الإيرانية تواصلوا مع مكتبه عبر منصة إلكترونية للتسجيل، وأعربوا عن رغبتهم في الانشقاق.
ورغم عدم إمكانية التحقق المستقل من هذا الرقم، إلا أن ذلك زاد من التساؤلات حول ولاء الأجهزة الأمنية للنظام، والظروف التي قد تدفع عناصرها إلى الانشقاق.
يؤكد باتریك کلاوسن، الباحث في معهد واشنطن، أن أحد أكبر العوائق أمام الانشقاق هو التخوف من الانتقام: "المشكلة الأهم عادةً هي: كيف يمكن للمنشقين إخراج عائلاتهم وأصدقائهم؟. لدى النظام الإيراني سجل طويل في أخذ رهائن لا علاقة لهم بالتهم... يمكننا أن نفترض أن النظام سيسعى للانتقام من عائلات المنشقين وأصدقائهم".
ويضيف علي رضا نادر، كبير المحللين في الشأن الإيراني، أن الانشقاقات لن تكتسب زخمًا حقيقيًا ما لم يقتنع المنتمون إلى الأجهزة الأمنية بأن لديهم مستقبلًا مضمونًا خارج النظام.
يقول بریجنت إن ما قد يُحدث تحولًا هو إنشاء مناطق آمنة، سواء فعلية أو تنظيمية، تُوفّر للمنشقين حماية ومساحة لإعادة التنظيم.
واستشهد بتجربته في العراق خلال حملة مكافحة التمرد الأميركية، حين عمل مع شيوخ قبائل ومنشقين، قائلاً: "تم بناء الثقة من خلال توفير المعدات، والدعم اللاسلكي، والحماية المسلحة".
ويرى أن هذا النموذج يمكن تكييفه لدعم الإيرانيين المستعدين للانفصال عن النظام، مشددًا على أن الثقة تُبنى بالأفعال، لا بالكلام، وعلى وجود أشخاص "مستعدين للمخاطرة بحياتهم".
ويضيف: "رأينا ذلك مع الإسرائيليين... هناك شبكة سرية داخل إيران"، في إشارة إلى خلايا مسلحة نفذت اغتيالات وعمليات تخريب نووي بالتنسيق مع إسرائيل. الثقة تكمن في هؤلاء الذين كانوا مستعدين للقتال من أجل هذا الهدف، مستعدين للمجازفة".
تعاون من الداخل مع إسرائيل
وتُظهر الاغتيالات الدقيقة التي نفذتها إسرائيل في طهران، كاغتيال القيادي في الحرس الثوري علي شادماني، وإسماعيل هنية (زعيم حماس)، أن هناك تعاونًا داخل البلاد مع إسرائيل. فمثل هذه العمليات مستحيلة دون دعم بشري على الأرض.
وقد قُتل هنية يوم 31 يوليو (تموز) 2024 داخل دار ضيافة عسكرية في طهران، بعد وقت قصير من حضوره مراسم تنصيب الرئيس مسعود بزشكيان. وقد أظهرت العملية، كما سابقاتها، تفوق الاستخبارات الإسرائيلية ووجود مخبرين محليين في أوساط أمنية وسياسية حساسة داخل النظام الإيراني.
وعلى الرغم من أن المسؤولين الإسرائيليين لم يعترفوا صراحة بهذه العمليات، فإن سفير إسرائيل في واشنطن قدّم تلميحًا نادرًا ومقصودًا في ندوة لـ"إيران إنترناشيونال" في العاصمة الأميركية.
ورداً على سؤال حول كيفية تمكن إسرائيل من استهداف أفراد في غرف نومهم في أماكن نائية بطهران، أجاب: "أعني... ما الذي تتوقعه؟ أعتقد أن الجواب يكمن في السؤال. وأظن أنه يعود إلى كيفية التغلب على الخوف. الكثير من الإيرانيين تغلبوا على خوفهم، وقد تعاونوا، وسيتابعون التعاون مع قوى الخير"، بحسب تعبيره.
ورغم أنه استخدم لغة غير مباشرة، فإن حديثه يُلمح بوضوح إلى تعاون بين الاستخبارات الإسرائيلية ومناصرين من الداخل الإيراني.
يشير كلاوسن إلى أن الغموض القانوني والدبلوماسي يمثل أيضًا عائقًا. الدول المحتملة لمنح اللجوء يجب أن تُظهر وضوحًا ليس فقط بشأن حماية المنشقين، بل أيضًا بشأن استقبال وحماية عائلاتهم، وهو أمر لا يزال غامضًا من الناحيتين القانونية والعملية.
كما أشار إلى أن وكالات الاستخبارات تميل غالبًا إلى الاحتفاظ بالمصادر داخل النظام بدلًا من تسهيل خروجهم، لأن العملاء المزدوجين أكثر فائدة. وفي كثير من الحالات، يُطلب من المصدر أن يبقى في منصبه لتقديم معلومات من الداخل.
ويؤكد نادر أن الشخصيات السياسية في المنفى يجب أن تُقيّم بالأفعال لا بالنوايا. فإذا كانوا يريدون نيل ثقة الإيرانيين، فعليهم إظهار نتائج ملموسة، خصوصًا في ظل الاضطرابات الإقليمية والداخلية.
ويُجمع الخبراء على أن التمرد الداخلي أو الانشقاق الواسع في صفوف النظام الإيراني غير مرجّح ما لم يحصل المنشقون المحتملون على دعم خارجي ومسار واضح للخروج.
ويختم مايكل بریجنت قائلاً: "هذا لن يحدث دون وجود ملاذ آمن".