هل سيتعرّض النظام الإيراني لصدمة مفاجئة مجددًا؟

تعرّض النظام الإيراني خلال الحرب الأخيرة التي استمرّت 12 يومًا مع إسرائيل، لصدمة مفاجئة واضحة؛ وهي حقيقة أقرّ بها حتى بعض مسؤولي النظام أنفسهم.
تعرّض النظام الإيراني خلال الحرب الأخيرة التي استمرّت 12 يومًا مع إسرائيل، لصدمة مفاجئة واضحة؛ وهي حقيقة أقرّ بها حتى بعض مسؤولي النظام أنفسهم.
في الساعات والأيام الأولى من الحرب، قُتل عدد كبير من قادة الحرس الثوري الكبار، وشُلّ الدفاع الجوي للنظام الإيراني، وتم استهداف وتدمير أكثر من 1400 هدف حساس عسكري ونووي وبُنى تحتية، من بينها مستودعات صواريخ.
وفي ضوء هذه الخلفية، يبرز سؤال محوري: هل سيتعرّض النظام الإيراني في الحرب المقبلة أيضًا لصدمة مفاجئة؟ وإذا كان الجواب نعم، ففي أي مجالات ستكون هذه الصدمة، وما هي العوامل التي ستؤدي إليها؟
بعد الموجة الأولى من الهجمات الإسرائيلية، سعى النظام الإيراني إلى ترميم نفسه؛ حيث عيّن خامنئي قادة جدد، ورغم خسارة أسماء محورية مثل أمير علي حاجي زاده (قائد القوة الجوفضائية) ومحمود باقري (قائد وحدة الصواريخ)، تمّت إعادة بناء الذراع الصاروخية بسرعة، وأُطلقت هجمات صاروخية مضادة على إسرائيل.
ورغم أن هذه الهجمات أنشأت، في نظر مسؤولي النظام، نوعًا من "التوازن الحربي"، إلا أن تحليلًا أدقّ يُظهر أن هذا التوازن لم يكن واقعيًا، وأن إسرائيل حافظت على تفوّقها طوال فترة الحرب.
وبنظرة واقعية، لا يمكن القول إن هجمات الحرس الثوري الصاروخية كانت بلا أثر، لكنها لم تكن حاسمة كما تزعم بعض وسائل الإعلام التابعة للنظام. لقد شكّلت تلك الهجمات القدرة الفعلية الوحيدة للنظام خلال الحرب، وعوّضت جزئيًا الصدمة الأولى، لكنها لم تنجح في زعزعة التفوّق العملياتي الإسرائيلي.
في ضوء أهمية هذا الجانب، توصّل كل من النظام الإيراني وإسرائيل إلى قناعة بأن القدرة الصاروخية للنظام عنصر أساسي في توازن القوى المستقبلي.
وعليه، تسعى إسرائيل إلى القضاء على هذه القدرة، بينما يسعى الحرس الثوري إلى تعزيزها من حيث المدى والدقة وقوة التدمير. وقد بات هذا واضحًا في زيادة الميزانية الدفاعية والتركيز على تعزيز ميزانية البرامج الصاروخية في البرلمان الإيراني.
أوروبا قلقة أيضًا
كانت أوروبا في السابق أقل انخراطًا مباشرًا في ملف صواريخ إيران، لكنها اليوم تشعر بالتهديد، في ظل احتمال امتلاك النظام الإيراني لصواريخ يتجاوز مداها ألفي كيلومتر.
وجاء اختبار صاروخ "قاصد" الحامل للأقمار الصناعية، قبل أيام فقط من مفاوضات النظام مع الترويكا الأوروبية في إسطنبول، كرسالة مباشرة لأوروبا: إذا فعّلتم آلية الزناد، سنُظهر لكم قوتنا الصاروخية.
تخشى أوروبا من أن تُمثّل الرؤوس النووية، حال امتلاك النظام لها، تهديدًا مباشرًا إذا ما وُضعت على رؤوس هذه الصواريخ البعيدة المدى. ولهذا السبب، بدأت تنسّق مع أميركا وإسرائيل بشكل أكثر فاعلية للحد من البرنامج الصاروخي للنظام.
تصرفات النظام الأخيرة تُظهر أنه لا يُعوّل كثيرًا على نجاح التفاوض مع الأوروبيين.
رسالة التحذير التي أرسلها عباس عراقجي إلى الأمين العام للأمم المتحدة، واللهجة التصعيدية للمسؤولين الإيرانيين، تعكس اعتقاد طهران أن عودة عقوبات مجلس الأمن أمر شبه مؤكد.
وإذا ما عادت، فحتى الصين وروسيا، وفقًا للمعايير الدولية، لن تتمكنا من مواصلة التعاون مع إيران؛ وهي حقيقة أثبتتها تجربة العقوبات بين عامي 2007 و2013.
شراء أنظمة دفاع جوي: أولوية طارئة
كشفت ضربة إسرائيل لاجتماع المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني في اليوم الرابع من الحرب الأخيرة، الحاجة الماسّة للنظام إلى أنظمة دفاع جوي متقدمة.
يسعى النظام حاليًا لشراء أنظمة مثل "HQ-9" من الصين و"S-400" من روسيا، لكنه لم يحقق نجاحًا حتى الآن. أما الأنظمة المحلية كـ "باور 373" و"15 خرداد" و"9 دي"، فقد أثبتت فشلها ولم تتمكن من إسقاط حتى مقاتلة إسرائيلية واحدة.
الزيارات المتكررة والمكثفة لوزير الدفاع الإيراني إلى بكين وموسكو تُظهر أن هذه القضية أصبحت أولوية قصوى للنظام، خصوصًا في ما يتعلق بأمن المرشد الإيراني، الذي يعيش الآن نمط حياة "شبه سرّي – شبه علني"، وأصبحت سلامته أولوية أمنية مطلقة للنظام.
صدمة مفاجئة جديدة: محتملة ومتعددة الأبعاد
استنادًا إلى الأدلة المتوفرة، يُمكن القول إنه إذا اندلعت حرب أخرى، فإن النظام الإيراني سيتعرّض لصدمة مفاجئة مجددًا؛ ليس فقط في مجال الدفاع الجوي والتجهيزات، بل للأسباب التالية:
• الضعف التكنولوجي والاستخباراتي: استخدمت إسرائيل تقنيات متطورة لتحديد مواقع قادة الحرس الثوري، حتى أولئك الذين كانوا في إجازات، واستهدفتهم بدقة. ولم يتمكن النظام حتى الآن من فهم كيفية تنفيذ تلك العمليات.
• قراءة خاطئة لساحة المعركة: لا يزال قادة الحرس يحملون عقلية تقليدية وغير واقعية، ويقارنون الحرب مع إسرائيل بالحرب الإيرانية – العراقية، رغم أن طبيعة الحرب مع أميركا وإسرائيل مختلفة تمامًا.
* ضعف إدراك الواقع الداخلي: فسّر النظام مظاهر التضامن الشعبي في الداخل خلال الحرب، على أنها دعم للنظام، بينما كانت في الواقع تضامنات اجتماعية بين الناس، بدافع الضرورة وليس الولاء للسلطة.
• تهديدات وشعارات فارغة: كثير من التهديدات التي يطلقها مسؤولو النظام لا تتوافق مع الواقع العسكري أو الاقتصادي أو الدبلوماسي لإيران.
* اتساع دائرة الأعداء: التصرفات العدوانية للنظام جعلت مزيدًا من الدول – من أميركا وإسرائيل إلى أوروبا وبعض دول المنطقة – تصطف ضده، إما علنًا أو سرًا. واستمرار هذا النهج قد يؤدي إلى تشكيل تحالف دولي أكثر جدية، يضم أوروبا وحلف الناتو وأميركا وإسرائيل.
في ظل الوضع الحالي- من خلل هيكلي في أنظمة الدفاع والاستخبارات إلى أخطاء استراتيجية في قيادة الحرب- يبدو أن النظام الإيراني في حال اندلاع حرب جديدة مع إسرائيل، سيتعرّض مجددًا، وربما بشكل أوسع، لصدمة مفاجئة. الفرق الوحيد المحتمل سيكون في الشكل والأسلوب والتكتيك؛ وهذه هي طبيعة المفاجأة.