وكانت "إن بي سي نيوز" قد نقلت، عن مصادر مطلعة، أن الضربة الجوية الأميركية ألحقت ضررًا بالغًا بموقع "فوردو" فقط، في حين أن موقعين رئيسين آخرين، هما "نطنز" و"أصفهان"، خرجا عن الخدمة لبضعة أشهر، وقد يستأنفان نشاطهما لاحقًا.
إلا أن هذا التقرير قوبل برد فعل شديد من وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون"؛ حيث قال المتحدث البارز باسمها، شون بارنل: "إن مصداقية وسائل الإعلام التي تنشر الأكاذيب باتت شبيهة بحالة المنشآت النووية الإيرانية: مدمّرة، مدفونة تحت الأرض، وتحتاج إلى سنوات لإعادة بنائها".
وأضاف: "الرئيس ترامب أوضح تمامًا، والشعب الأميركي يدرك جيدًا أن المنشآت النووية الإيرانية في فوردو ونطنز وأصفهان قد تم تدميرها بالكامل. لا مجال للشك في ذلك".
كما تبنى البيت الأبيض موقفًا مماثلاً، رافضًا تقرير "إن بي سي نيوز"، وأكد أن العملية العسكرية، التي أُطلق عليها اسم "مطرقة منتصف الليل"، قضت تمامًا على القدرة النووية الإيرانية.
وقالت نائبة المتحدث باسم البيت الأبيض، آنا كيلي، في مقابلة مع شبكة "نيوزنيشن": "بفضل هذا التحرك الحاسم، أصبحت الولايات المتحدة والعالم أكثر أمانًا الآن".
وفي سياق هذه التطورات، ذكرت "نيويورك تايمز"، استنادًا إلى تقييم استخباراتي جديد، أن الهجمات الجوية الأميركية على موقع "فوردو"- المدفون عميقًا داخل الجبال- ألحقَت أضرارًا جسيمة بالموقع.
وأشارت الصحيفة إلى أن 12 قنبلة خارقة للتحصينات من طراز "GBU-57"، أُلقيت من قاذفات الشبح الأميركية "B-2"، أصابت الموقع، ما أدى إلى تدمير آلاف من أجهزة الطرد المركزي الحساسة المدفونة تحت الجبل، وهو ما يتفق مع تصريحات المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي.
وبحسب المسؤولين الأميركيين، فإن إعادة موقع "فوردو" إلى حالة تشغيلية قد يستغرق عامين على الأقل من العمل المتواصل. إلا أن بعض الخبراء حذّروا من أن طهران قد تعيد استئناف تخصيب اليورانيوم في مواقع تحت الأرض لم تُستهدف بالهجوم.
وأكدت الصحيفة أن الضربة على "فوردو" كانت دقيقة للغاية، إذ استُخدمت فتحات التهوية كمدخل للقنابل للوصول مباشرة إلى قاعات أجهزة الطرد المركزي وغرف التحكم. وحتى إن لم تصب القنابل هذه المواقع بشكل مباشر، فإن موجات الانفجار كانت قوية بما يكفي لضمان تدمير المعدات.
ضربات أخرى على "أصفهان" و"نطنز"
بالإضافة إلى "فوردو"، استُهدف موقع "أصفهان"، الذي يضم منشأة لتحويل اليورانيوم إلى معدن، بواسطة صواريخ كروز أُطلقت من غواصات تابعة للبحرية الأميركية.
أما منشأة "نطنز"، فقد استُهدفت بقنبلتين خارقتين للتحصينات، لكن الهيكل الرئيس للموقع بقي سليمًا إلى حد كبير. رغم ذلك، تم التأكيد أن إيران فقدت القدرة على الوصول إلى الأجزاء الحساسة من الموقع، وتم تدمير أجهزة الطرد المركزي النشطة.
وفي مقابلة مع "نيويورك تايمز"، أقرّ مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى بإمكانية أن تكون مخزونات من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة- وهي كمية تكفي لصنع نحو 10 قنابل نووية- لا تزال سليمة.
ومع ذلك، شدد مسؤولون أميركيون على أن غياب البنى التحتية الحيوية لتحويل تلك المواد إلى سلاح، يجعلها عمليًا عديمة الفائدة.
وأكد مسؤولون عسكريون أميركيون أن أي محاولة من إيران لإعادة بناء هذه المنشآت سيتم رصدها فورًا، مما يجعل تنفيذ ضربات جديدة أمرًا واردًا.
وفي هذا السياق، قال مسؤول إسرائيلي إن بلاده مستعدة لـ "قصّ العشب"، في إشارة إلى تنفيذ ضربات متكررة ومحددة بشكل دوري.
تقرير استخباراتي: سنوات لإعادة بناء المواقع النووية الإيرانية
على ضوء هذه التطورات، قدم مدير وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، جون راتكليف، تقييمًا جديدًا إلى الكونغرس الأميركي، أفاد فيه بأن عدة مواقع نووية رئيسة في إيران قد دُمرت، وأن إعادة بنائها ستستغرق سنوات.
وأكد بشكل خاص أن منشآت تحويل اليورانيوم إلى معدن في "نطنز" و"أصفهان"- وهي ضرورية لصنع الأسلحة- قد تم القضاء عليها.
ورغم تأكيد الإدارة الأميركية نجاح العملية، فقد حذر بعض المحللين من أن التركيز المفرط على مواقع "فوردو" و"نطنز" و"أصفهان" قد يُخفي الصورة الكاملة لبرنامج إيران النووي.
وقالت الباحثة في مركز أولويات الدفاع بواشنطن، روز ماري كلانك: "إن قدرات إيران النووية أعقد من أن تُختزل في ثلاثة مواقع فقط. هناك منشآت أخرى لم تستهدفها أميركا ولا إسرائيل".
أما أستاذ الدراسات الاستراتيجية في معهد "ميدلبري" الأميركي، جيفري لويس، فقد صرّح بأن صور الأقمار الصناعية تُظهر وجود ثلاثة مواقع نووية تحت الأرض لم تتعرض للهجوم: أحدها قرب نطنز، والثاني داخل مجمع بارشين العسكري، والثالث في موقع غير معلوم. وأعرب عن شكوكه بشأن قدرة أميركا على ضرب تلك المواقع بسهولة.
وفيما يُصر الرئيس دونالد ترامب على أن المنشآت النووية الإيرانية قد دُمرت تمامًا، لا تزال أجهزة الاستخبارات الأميركية تتعامل بحذر مع مستقبل البرنامج النووي الإيراني.
ويرى مسؤولون أميركيون أن الردع الحقيقي يكمن في الحفاظ على الاستعداد الدائم لتوجيه ضربات جديدة، وهو ما تؤكده كل من واشنطن وتل أبيب حاليًا.