"قانون المهر".. بين احتجاج الرجال وقلق النساء في إيران

نظمت مجموعات مختلفة من الرجال والنساء تجمعات في إيران، خلال السنوات الأخيرة، تطالب بإصلاح "قانون المهر" وإلغاء سجن المدينين، بينما عبّر البعض عن قلقهم من فقدان حقوق النساء أكثر.
نظمت مجموعات مختلفة من الرجال والنساء تجمعات في إيران، خلال السنوات الأخيرة، تطالب بإصلاح "قانون المهر" وإلغاء سجن المدينين، بينما عبّر البعض عن قلقهم من فقدان حقوق النساء أكثر.
وأشار البعض إلى أن النساء في القانون الحالي لا يمتلكن سوى أدوات محدودة مثل النفقة والمهر، كما أنهن محرومات من حق الطلاق، والحضانة، والسفر خارج البلاد.
وفي بلد مثل إيران، تنتهك فيه حقوق النساء، تعتبر كثيرات منهن أن "المهر" هو آخر درع لحماية حقوقهن أمام الثغرات القانونية، رغم أن هذه الدرع تتحول بالنسبة لبعض الرجال إلى عقوبة مالية وحتى جنائية.
وأصبح المهر خلال العقود الماضية، في ظل اقتصاد غير مستقر وسياسات غير فعّالة، من أكثر القضايا الاجتماعية والعائلية جدلية.
المؤيدون والمعارضون
يقول مؤيدو "المهر" إنه يقلل من الطلاق المتسرع، ويوفر للمرأة حدًا أدنى من الضمان المالي عند الانفصال. وفي المقابل، يرى المعارضون أن المهر يعزز النظرة التبادلية للمرأة ويتعارض مع كرامتها الإنسانية.
ويزيد التقلب الكبير في أسعار الذهب- الوحدة الأكثر شيوعًا للمهر- والتضخم المتكرر من المطالب بـ "المهر" وطلبات الطلاق.
ومع سعر الذهب الحالي البالغ، الذي يتراوح من 110 إلى 115 مليون تومان لكل قطعة من عملة "سكة بهار آزادي" أو "سكة إمامي" (النسخة الجديدة)، تصبح مهور الزواج التي تبدو "تقليدية"- حتى عند تقسيطها- مكافئة لعدة سنوات من الراتب الصافي للموظفين، وتستنزف أقساطها دخل الأسرة الشهري فعليًا.
والكثير من النساء يطالبن بالمهر ليس للانتقام، بل لتأمين حياتهن وأطفالهن بعد الطلاق، ومع ذلك فإنهن يواجهن السخرية في الرأي العام بوصفهن "مستغلات".
وعلى الجانب الآخر، يتحول أحيانًا المهر الثقيل إلى أداة للضغط أو النزاع أو الانتقام من الرجال؛ وهما جانبان من القضية يعكسان أزمة عميقة في النظام القانوني والاقتصادي للبلاد.
المهر والقانون والعدالة
يعتبر المهر في الفقه الإسلامي ضمانًا ماليًا للنساء، لكن في النظام القانوني الحالي في إيران أصبح من أكثر القضايا القضائية تعقيدًا.
وتسبب انخفاض القدرة الشرائية، والتضخم، والفجوة الطبقية في صعوبة شديدة أمام العديد من الرجال لدفع المهر.
ولا توجد إحصاءات دقيقة حول عدد طلبات دفع المهر في العام الماضي، لكن التقديرات تشير إلى تسجيل ما بين 100 و250 ألف طلب سنويًا.
وأعلن رئيس مجلس أمناء هيئة الدية الوطنية، أسد الله جولاي، في أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، أن من بين 17747 سجينًا بسبب جرائم غير عمدية، يوجد 2738 سجينًا بسبب ديون المهر والنفقة، بينما تشير مصادر غير رسمية إلى أن الرقم يتجاوز 5 آلاف سجين.
الكثيرون يبتعدون عن السجن بالدفع بالتقسيط، لكنهم يواجهون قيودًا شديدة، مثل تجميد الحسابات، وخصم الرواتب، ومنع السفر، وحجز الممتلكات الأساسية، وخطر الاعتقال مرة أخرى إذا تأخروا في دفع الأقساط حتى القليلة منها.
وهذا الوضع يضع العائلات في ضيق اقتصادي وقلق قانوني؛ وهو وضع لا يسرع باستيفاء الحقوق ولا يساعد في استقرار الحياة.
تجربة شخصية من السجن
قال أحد السجناء السابقين في طهران لـ "إيران إنترناشيونال": "عملت سنوات في شركة، وبعد تسريحي عملت في مخبز بالكاد، وتزوجت عن حب، لكن بعد فترة طلبت زوجتي السابقة أن أغيّر عملي، ومع اختلافاتنا أصبح الحب مجرد رقم على الورق. دخلت السجن ليس لأني رفضت الدفع، بل لأنني لم أستطع. هناك فهمت أن القانون يسعى للأرقام والتوقيع أكثر من العدالة؛ لقد دفعنا ثمن الالتزام الذي وقعنا عليه من قلبنا".
الحد الأقصى للمهر وخطة البرلمان الجديدة
بموجب قانون حماية الأسرة لعام 2012، يُسمح بالسجن كعقوبة لمديونية المهر حتى سقف 110 سبائك، لكن ارتفاع أسعار الذهب جعل هذا السقف صعب التنفيذ للكثيرين، ومِن ثمّ لم يقلل كثيرًا من اعتقال المدينين.
ويدرس البرلمان الإيراني حاليًا مشروعًا جديدًا لتقليل الضمان الجنائي إلى 14 سبيكة فقط، ما يعني أن السجن ممكن فقط حتى هذا الحد، وفوقه يُطبق فقط إذا ثبت قدرة الزوج المالية. ولا يحد هذا المشروع من قيمة المهر المتفق عليها في عقد الزواج.
كما يُقترح تغيير عبارة "عند المطالبة" إلى "عند الاستطاعة"، لجعل دفع المهر مرتبطًا بالقدرة المالية للزوج.
المؤيدون يرون أن هذا يمنع تراكم القضايا، بينما يحذر المعارضون من أن هذا قد يضعف الأمن المالي للنساء دون وجود آلية بديلة.
وهذا القانون، إذا أقر، يشمل فقط الزيجات بعد أبريل (نيسان) 2024 ولن يشمل القضايا القائمة، ما قد يترك جزءًا كبيرًا من النساء في حالة غموض قانوني.
بدائل قانونية لـ "المهر"
قال معين خزائلي، محامٍ، لـ "إيران إنترناشيونال": "ألغى الكثير من الدول في العالم، عقوبة السجن على الديون المالية، إلا إذا نتجت عن جريمة مثل الاحتيال. هذا احترام للحرية ويقلل الأضرار الناتجة عن السجن".
وأضاف أن تخفيض السقف من 110 سبائك إلى 14 سبيكة قد يقلل عدد السجناء، لكنه لا يحل المشكلة الجوهرية، ولا يوفر أي حماية للنساء، بل يضعف موقفهن بسبب القوانين التمييزية القائمة.
وأشار خزائلي إلى أن الحل الجذري هو إلغاء كل القوانين التمييزية ضد النساء في القانون المدني، خصوصًا في العلاقات الزوجية. وقال: "المهر مؤسسة قانونية خاطئة وتمييزية يجب إلغاؤها، لكن دون إصلاح القوانين الأخرى، أي تعديل سيستمر في تعزيز الهيكل التمييزي".
وفي الختام، نصح الأزواج الباحثين عن المساواة باستخدام شروط ضمن عقد الزواج، بدلاً من المهر.
ردود الفعل العامة وحقوق الرجال والنساء
طالبت الناشطات في مجال حقوق المرأة بإصلاح قانون المهر بالتزامن مع مراجعة حقوق الطلاق والحضانة والسفر، وإلا ستفقد النساء آخر أداة حماية.
ويرى نشطاء حقوق الرجال أن سجن المدينين بالمهور يجب إلغاؤه بالكامل، لأنه لا يحل المشكلة ويزيد الأزمة الاقتصادية للعائلات.
بهروز جاويد تهراني، ناشط في مجال حقوق الإنسان يصف نفسه بأنه "مدافع عن حقوق الرجال"، صرّح لـ"إيران إنترناشيونال"، قائلاً: "إن سجن شخص بسبب ديون مالية غير عادل ويخالف مبدأ حظر سجن المدينين. العقوبة يجب أن تكون للسلوك الإجرامي وليس لعدم القدرة المالية. هذا يخلق عقوبة مزدوجة: يُسلب الفرد حريته وتتفكك أسرته دون مساعدة حقوق المرأة، ويُثني الرجال عن الزواج".
وأضاف أن أزمة المهر في إيران تعكس أزمة هيكلية في المجتمع؛ حيث لم تحفظ حقوق النساء، ولم يعد الرجال قادرين على تحمل هذا العبء ماليًا.
وجهة نظر النساء
ترى النساء المهر آخر حصن للحماية، خاصة بعد سنوات من الحياة المشتركة بلا حقوق مالية أو قانونية.
وقالت المحللة الاجتماعية والناشطة في مجال حقوق المرأة، آسیه أمینی: "إن المهر اليوم وظيفة ضمان للنساء، لأنه يضمن لهن مساحة للعيش والأمان بعد الزواج، بينما لا يوجد دعم قانوني فعلي لهن".
وأضافت أن هناك فجوة بين سلوك المجتمع الذكوري والقوانين التمييزية، حتى الرجال الذين يدافعون عن حقوق النساء غالبًا ما يتراجعون عند مواجهة المصالح الشخصية.
وأكدت أن الحل هو قانون عادل للطرفين، دون منح امتياز لأحد الطرفين، وإلا ستستمر النزاعات إلى الأبد.
ومن هنا نستنتج أن أزمة "المهر" في إيران ليست مجرد صراع بين النساء والرجال، بله ي انعكاس لنظام قائم على التمييز القانوني. حتى مع إصلاحات جزئية، سيظل "المهر" رمزًا للظلم في الزواج، ما لم تُجرَ إصلاحات شاملة في قانون الأسرة.