يثار التساؤل: ما الذي حلّ بنا؟ وكيف تحوّل مجتمعٌ كان ملاذًا للمهاجرين واللاجئين، إلى مجتمعٍ يطردهم بقسوة ووحشية؟
الجواب يكمن في تقاطع ثلاثة عوامل: الأزمة البنيوية في الدولة، اليأس الاجتماعي، وتكريس مشروعٍ واعٍ لـ"صناعة الآخر"، يُنفذ بدعم من السلطة السياسية والإعلام الرسمي.
الهروب من المساءلة واللجوء إلى القومية المتطرفة
منذ سنوات، يعجز النظام الإيراني عن تلبية الاحتياجات الأساسية لمواطنيه، من الخبز والعمل إلى السكن والماء النظيف. سجلها في هذا المجال ليس فقط فارغًا، بل سلبيًّا للغاية. يُضاف إلى ذلك الفشل في مغامراته الإقليمية، لا سيما في "الحرب مع إسرائيل"، وانهيار سياساته التوسعية.
في ظلّ هذا الواقع، تبدو أفضل طريقة لترويض الغضب الشعبي هي توجيه الرأي العام نحو "عدوّ قريب" يمكن الوصول إليه. المهاجرون الأفغان، بصفتهم فئةً صامتة بلا دعم ولا تنظيم رسمي، هم هدفٌ سهل. فهم لا يملكون سلطة إعلامية ولا أدوات ضغط سياسي، والأهم من ذلك: يُنظر إليهم كـ"غرباء".
صناعة الكراهية
إن حملة الكراهية ضد المهاجرين منظمة بالكامل وتستند إلى الأكاذيب والتضليل. فرغم أن الأرقام الرسمية تشير إلى وجود قرابة مليونين إلى ثلاثة ملايين مهاجر أفغاني في إيران، تروج وسائل إعلام قريبة من الأجهزة الأمنية وشخصيات سياسية لأرقام خيالية تتراوح بين خمسة إلى عشرة ملايين، دون أي دليل.
ويُتّهم المهاجرون بالاستيلاء على الوظائف، والتسبب في أزمة الإسكان، وزيادة الجريمة، بل وحتى بتهديد الأمن القومي. لكن لا توجد أي دراسات مستقلة تؤكد هذه الادعاءات. بل العكس، فغالبيتهم يعملون في أصعب الوظائف وأقلها أجرًا، ويتحملون العبء الأكبر من الاقتصاد غير الرسمي في إيران.
لكن لماذا ينساق جزء من المجتمع مع هذه الحملة؟ الجواب، رغم مرارته، واقعي: المجتمع الإيراني غاضب من الفقر، والتمييز، والقمع، والمستقبل الغامض. وعندما لا يجد هذا الغضب متنفسًا صحيحًا، فإنه يتجه نحو "البحث عن ضحية".
وكما أظهرت تجارب الشعوب الأخرى، فإن الجماهير اليائسة مستعدة دومًا لتفريغ غضبها في وجه "الآخر" المختلف عنها.
يكتب الفيلسوف البريطاني جوناثان ساكس عن جذور الكراهية قائلًا: نحن مخلوقات قبلية.
نتعاطف مع من هم من "جماعتنا"، لكننا نخاف الغرباء. وإن لم يُكبح هذا الخوف، فإنه يحوّلنا إلى وحوش. فالأخلاق، برأيه، لا تُنقذ إلا إذا حوّلت الـ"أنا" إلى "نحن" من دون إقصاء "هم" عن دائرة الإنسانية. لكن، بمجرد أن نبني "نحن"، يولد "هم"، وهنا تبدأ كراهية الآخر.
في علم النفس الاجتماعي، تُعدّ حاجة الإنسان إلى إيجاد مذنب وسيلة دفاعية للهروب من مواجهة الواقع المرير. فقبول حقيقة أن أزمة البلاد ناتجة عن عقود من الفساد وسوء الإدارة والعزلة الدولية، أصعب بكثير من لوم مهاجر بلا صوت ولا حماية.
وهذه الآلية إذا تُركت بلا مواجهة، فلن تتوقف عند المهاجرين فقط. فدور النساء، والأقليات، والشباب المعارض، وأي صوت "غير منتمٍ"، سيأتي لاحقًا. وهذه بداية انهيار التضامن الوطني والأخلاق العامة.
فإذا لم يُوجّه الغضب الشعبي في مسار سليم، وإذا عجز المجتمع عن توجيه نقده نحو السلطة الحقيقية، فإن عادة البحث عن ضحية ستصبح إدمانًا خطيرًا؛ عدوٌ دائم في الجوار، ومسؤولية لا تقع أبدًا على الجذور الحقيقية للأزمة.
الدولة: المسؤول الأول
تتحمل الدولة المسؤولية المباشرة، لا فقط في إشعال الكراهية، بل أيضًا في تقاعسها عن أداء أبسط واجباتها.
فلماذا بعد أكثر من 40 عامًا، لم تُؤسس إيران أي هيكل منظم لاستيعاب وتدريب وتوجيه المهاجرين؟ لماذا لا توجد مخيمات رسمية دائمة للاجئين على الحدود الشرقية؟ ولماذا لا يزال وصول المهاجرين إلى التعليم، والرعاية الصحية، والعدالة، محدودًا وتحت رحمة الأهواء؟
الجواب بسيط: ليس الإهمال فقط، بل وجود إرادة سياسية لإبقاء المهاجرين في حالة عدم استقرار، واستغلالهم سياسيًّا. هذا الوضع غير القانوني جعل منهم قوة عمل رخيصة ومطيعة وصامتة، وأداة مناسبة لتحميلهم مسؤولية الأزمات الداخلية.
كراهية الآخر بداية الانهيار الأخلاقي
ما نشهده اليوم تجاه المهاجرين الأفغان ليس فقط كارثة إنسانية، بل مؤشر مقلق على انهيار أخلاقي في مجتمعٍ كان يومًا ما يفتخر بتعدديته الثقافية والدينية.
كراهية الآخر، إذا لم يتم التصدي لها، لا تعرف حدودًا. وإذا أصبحت الكراهية مؤسسة، فإنها لن تقتصر على المهاجرين، بل سرعان ما تستهدف الأقليات القومية والدينية والفكرية، كما فعلت من قبل.
فلا ننسَ أن هذه المنظومة الإقصائية طُبّقت من قبل ضد الأكراد، والبلوش، والبهائيين، وغيرهم من الأقليات، وكذلك ضد المفكرين المستقلين، والناشطين المدنيين، والمعارضين السياسيين.
كراهية الآخر ليست فقط وسيلة لقمع "الآخر"، بل هي أيضًا مقدمة لانهيار الـ"نحن". فالمجتمع الذي يعتاد اعتبار فئة من البشر غير محتملة أو لا تستحق الكرامة، لا يمكنه أن يبني على أي قيمة إنسانية أو أخلاقية.
التضامن الاجتماعي يقوم على أسس أخلاقية. والأخلاق تعني الاعتراف بإنسانية الآخر، حتى لو كان مختلفًا. وكل خطوة في طريق نزع الإنسانية عن الآخر، هي خطوة في طريق تدمير ضميرنا الجماعي.
إذا ضحينا اليوم بالمهاجرين الأفغان، فغدًا سيكون الدور علينا.
هذه ليست نبوءة، بل درسٌ أعادت لنا التجارب الإنسانية تلقينه مرارًا.
فهل نجد اليوم من يصغي؟