في ظل الهدنة.. خامنئي العدو الحقيقي لإيران

لم يمضِ وقت طويل على الهدنة المؤقتة بين النظام الإيراني وإسرائيل، لكن كل المؤشرات تدل على استمرار المواجهة والحرب، ليس فقط على الجبهة العسكرية، بل أيضًا على الأصعدة السياسية والإعلامية والدينية.
لم يمضِ وقت طويل على الهدنة المؤقتة بين النظام الإيراني وإسرائيل، لكن كل المؤشرات تدل على استمرار المواجهة والحرب، ليس فقط على الجبهة العسكرية، بل أيضًا على الأصعدة السياسية والإعلامية والدينية.
ومن المعروف أن الحرب ليست لعبة بين القوى العظمى، بل كارثة إنسانية؛ فهي تعني الدمار والانهيار. لكن مجرد إعلان معارضة الحرب لا يكفي، ويبقى السؤال الجوهري هو: مَن يمهّد الطريق لاستئناف الحرب؟ ومن خلال أي أفعال؟
وفي الوقت الذي تلتقط فيه المنطقة أنفاسها بفعل هدنة هشة وضغوط دولية، تُستهدف سفن تجارية في البحر الأحمر، ويُقتل بحارة مدنيون أو يُؤخذون كرهائن، وتُطلق صواريخ تحمل توقيع النظام الإيراني باتجاه إسرائيل. الحرب ربما انتهت شكليًا، لكن شكلها فقط هو ما تغيّر.
وقد سلّم النظام الإيراني ساحة المعركة إلى ميليشياته الوكيلة، وتحديدًا الحوثيين، وأعلن صراحة أنه "لا يزال في حالة حرب". ففي أقل من 48 ساعة، تبنّى الحوثيون في اليمن الهجوم على سفينتين باستخدام طائرات مُسيّرة وقنابل يدوية، ما أسفر عن مقتل 4 أشخاص وفقدان 15 آخرين.
وفي الوقت نفسه، أُطلق صاروخ من طراز "ذو الفقار" المصنوع في إيران باتجاه مطار بن غوريون في تل أبيب؛ قالت إسرائيل إنها اعترضته، لكن الرسالة السياسية كانت واضحة: لا وجود لهدنة حقيقية.
لماذا يكرهون السلام؟
في إيران، فور الإعلان عن الهدنة، بدأت المنابر تعلو، وصدرَت الفتاوى، وتحركت الهيئات الدينية لجمع الأموال من أجل تنفيذ عمليات اغتيال. وتحدّث التلفزيون الرسمي عن "الاستعداد للضربة القاضية"، وخُطب الجمعة عن "الانتقام القاسي".
وفي "الحسينيات"، وتحت شعار "العقاب الإلهي"، جرى جمع التبرعات لاغتيال الرئيس الأقد صدرت فتاوى من رجلي الدّين: آية الله مكارم الشيرازي ونوري همداني، تصف ترامب ونتنياهو بأنهما "محاربان" ويستحقان عقوبة "الإفساد في الأرض". ثم سارعت وسائل الإعلام الحكومية إلى إعلان أن مبالغ ضخمة قد جُمعت لتنفيذ هذه الفتاوى.
ومع تصاعد ردود الفعل الدولية، بدأ تراجع دعائي: قيل إن هذه "آراء فقهية" وليست "أوامر تنفيذية". لكن هذه "الآراء" تتكرر باستمرار في المنابر، ووسائل الإعلام التابعة للحكومة الإيرانية والحرس الثوري، وشبكات التواصل الاجتماعي المؤيدة للنظام، وتتحول إلى أدوات في ماكينة التحريض وإنتاج التوتر.
مشهد محسوب بدقة.. من الفتوى إلى الصاروخ والموت
لا يتصرف النظام الإيراني بعشوائية، بل ينفذ مشروعًا متكاملاً: فتوى، هجوم بحري، إطلاق صواريخ، عرض دعائي، وإعادة إنتاج أجواء الحرب.
ويعتبر النظام نفسه "المنتصر في الحرب الـ 12 يومًا مع إسرائيل"، لكن مَن يدفع ثمن هذا الانتصار الوهمي؟ البحارة الذين لن يُعثر على جثثهم؟ أم ملايين الإيرانيين العالقين في الفقر والرقابة والعقوبات، من دون أن يعرفوا أنهم باتوا جزءًا من لعبة خطرة لم يختاروها؟ شعب لا صوت له ولا خيار، فقط يشاهد حربًا تُخاض باسمه لكن دون موافقته؛ حيث فرضها عليه خامنئي.
عندما تقوم وسائل إعلام، مثل "إيران إنترناشيونال"، برواية هذه الحقائق وإطلاق التحذيرات، يتهمها النظام بأنها داعية حرب ومعادية لطهران. لكن هل التحذير من خطر قادم يُعتبر دعوة للحرب؟ هل من يصرخ قائلاً: "انتبهوا"، هو العدو؟ أم من يحرّض بالفتاوى والتهديدات ويدفع البلاد نحو المواجهة؟
ولا تملك وسائل الإعلام، مثل "إيران إنترناشيونال"، عود ثقاب، ولا تصدر فتاوى؛ هي فقط تحمل كاميرا، وخلفها صحافيون. تنقل المشهد.. المشهد الذي أعدّه النظام نفسه وأخرجه. الإعلام يحذر، أما النظام فيهدد.
لطالما زعم النظام الإيراني أنه لم يكن يومًا البادئ في أي حرب. لكن هل سأله أحد: قبل إطلاق أول رصاصة، ماذا قلت؟ ماذا فعلت؟ ما هي المقدمات التي جعلت الحرب أمرًا لا مفر منه؟