"آلية الزناد" (Snapback Mechanism) هي آلية تم إدراجها في نص قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 لتمكين عودة العقوبات الأممية تلقائيًا على إيران في حالة "عدم التزامها الجوهري" بالتزامات الاتفاق النووي، دون الحاجة إلى تصويت أو توافق في مجلس الأمن.
هذه الآلية، التي بقيت في السنوات الأولى بعد الاتفاق النووي مجرد تهديد رمزي، عادت إلى الواجهة على المستوى الدولي مع تصاعد التوترات النووية والإقليمية المتعلقة بإيران.
قرار مجلس الأمن رقم 2231، الذي تم تبنيه عام 2015 بناءً على الاتفاق النووي، يمنح الأطراف المشاركة في الاتفاق سلطة إعادة فرض العقوبات الأممية السابقة في حالة حدوث خرق كبير.
وبشكل خاص، ينص البند 11 من الملحق ب (B) من القرار على أنه بعد تلقي إخطار رسمي بـ"عدم الالتزام الجوهري"، ستعود العقوبات في نهاية فترة 30 يومًا، ما لم يصوت مجلس الأمن على قرار جديد لمواصلة تعليق العقوبات، وهي عملية يمكن أن يمنعها فيتو أحد الأعضاء الدائمين، مما يجعلها غير ممكنة عمليًا.
التطورات الرئيسية
في أغسطس (آب) 2020، فعّلت إدارة دونالد ترامب آلية الزناد رغم انسحابها الرسمي من الاتفاق النووي، لكن أغلبية ساحقة في مجلس الأمن، بما في ذلك حلفاء تقليديون للولايات المتحدة مثل بريطانيا وفرنسا، عارضوا ذلك، معتبرين أن أميركا لم تعد طرفًا مشاركًا في الاتفاق بعد انسحابها الرسمي.
تم إحباط هذا الإجراء الأميركي عمليًا لأن أمانة الأمم المتحدة لم تعيد فرض العقوبات.
خلال فترة جو بايدن، جرت محاولات لإحياء الاتفاق النووي، لكن مع زيادة مستوى التخصيب في إيران، وتطوير أجهزة طرد مركزي متقدمة، وتقليص رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتوسيع التعاون العسكري بين طهران وموسكو (خاصة في مجال الطائرات المسيرة في حرب أوكرانيا)، لم يتم إحياء الاتفاق.
في بداية عام 2024، أعلن النظام الإيراني رسميًا أن مستوى التخصيب لديه تجاوز 84 بالمائة- وهو مستوى قريب من الدرجة العسكرية- وحذرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أن زمن الاختراق النووي لإيران تقلص إلى "أقل من أسبوع".
في أعقاب تصعيد البرنامج النووي الإيراني، واستمرار التعاون العسكري بين إيران وكوريا الشمالية، وخاصة الاتهام الرسمي من فرنسا بإرسال تكنولوجيا صاروخية إلى جماعات وكيلة في سوريا ولبنان، أصدرت الدول الأوروبية الثلاث - ألمانيا وبريطانيا وفرنسا (الترويكا الأوروبية E3) - بيانًا مشتركًا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024.
وأعلنت برلين وباريس ولندن في هذا البيان أنه إذا لم تعُد إيران إلى التزاماتها الأساسية بحلول نهاية مارس (آذار) 2025، فسيظل خيار إعادة فرض العقوبات الأممية "قائمًا على الطاولة".
وفقًا لتقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 17 مايو (أيار) 2025، تمتلك إيران ما مجموعه حوالي 9248 كيلوغرامًا من اليورانيوم المخصب، منها أكثر من 400 كيلوغرام بنسبة تخصيب 60 بالمائة، وهو مستوى يُعتبر أعلى بكثير من احتياجات الأغراض المدنية.
رافاييل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، أكد في تقريره بتاريخ 20 يونيو (حزيران) أن أكثر من 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمائة لا يزال تحت إشراف الوكالة، لكن بعد الهجمات الجوية الإسرائيلية والأميركية على المنشآت النووية في إيران، لم يتضح مقدار ما تبقى منه.
لم يتم التأكد النهائي من الأضرار التي لحقت بمخزون اليورانيوم أو نقل هذه المواد بعد الهجمات الإسرائيلية والأميركية على إيران. وقد طالبت الوكالة بالوصول الفوري لتأكيد مواقع هذه المواد.
وأعلن المدير العام للوكالة أن كمية اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمائة لا تزال تتجاوز 400 كيلوغرام، وأكد أن استمرار الرقابة ضروري لمنع أي انحراف.
تشير تقييمات وكالات الاستخبارات الغربية إلى أنه حتى بعد الهجمات، لا يزال النظام الإيراني قادرًا على تصنيع سلاح أو إعادة بناء هذا المستوى من التخصيب خلال "بضعة أسابيع إلى ثلاثة أشهر".
ووفقًا لصحيفتي "فايننشال تايمز" و"الغارديان"، لم تُلحق أضرار كبيرة بمخزونات اليورانيوم في إيران بشكل عام، ولم تنجح الوكالة بعد في تحديد مواقعها الدقيقة.
لذلك، خلافًا للتقديرات السابقة التي تحدثت عن مخزون "أكثر من 120 كيلوغرامًا"، تبين الآن أن مخزونات اليورانيوم المخصب في إيران حتى منتصف يونيو (حزيران) 2025 كانت حوالي 400 كيلوغرام بنسبة تخصيب قريبة من الدرجة العسكرية أو أعلى.
بعد الهجمات الأخيرة، قد تكون كمية من هذه المخزونات قد نُقلت أو أُخفيت، لكن الوكالة لا تزال غير قادرة على تحديد الأجزاء التي لا تزال موجودة.
الوضع الحالي: هل سيتم تفعيل آلية الزناد؟
تدرس فرنسا وبريطانيا وألمانيا رسميًا إمكانية تفعيل آلية الزناد، لكنها لم تقدم بعد خطة رسمية لاتخاذ إجراءات في مجلس الأمن.
قالت مصادر مقربة من هذه الدول: "نحن ندرس جميع الخيارات، بما في ذلك آلية الزناد، لاستعادة مصداقية قرار مجلس الأمن رقم 2231."
في عام 2025، أكدت الصين أن "استخدام آلية عقابية في الظروف الحالية سيضر بالدبلوماسية"، وحذرت روسيا من أن "أي إعادة فرض للعقوبات ستعني نهاية كاملة للتعاون مع إيران".
ومع ذلك، المهم هو أن موسكو وبكين لا يمكنهما استخدام الفيتو لمنع آلية الزناد، لأن العملية لا تتطلب تصويتًا على الإطلاق.
ولهذا السبب، لن يمنع حتى معارضتهما إعادة فرض العقوبات.
وقد حذرت طهران مرات عديدة من أنها ستعتبر استخدام آلية الزناد "انتهاكًا صارخًا لالتزاماتها الدولية".
كما هددت إيران بأنها قد ترد من خلال الخروج من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT)، وقطع التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وزيادة مستوى التخصيب رسميًا إلى 90 بالمائة، والقيام بإجراءات انتقامية إقليمية من خلال حلفائها الوكلاء في العراق ولبنان.
ما العقوبات التي ستعود؟
في حال تم تفعيل آلية الزناد في عام 2025، ستعود العقوبات التالية:
-العقوبات التسليحية: سيتم حظر تصدير واستيراد الأسلحة إلى إيران، بما في ذلك الأسلحة الخفيفة والثقيلة، والذخائر، وأنظمة الصواريخ، وحتى التقنيات ذات الصلة بشكل كامل.
كما ستُمنع إيران من شراء أو بيع أي معدات عسكرية (سواء بشكل رسمي أو غير رسمي).
-عقوبات الصواريخ: ستخضع أي أنشطة إيرانية في مجال الصواريخ الباليستية، بما في ذلك التجارب، والإنتاج، والبحث والتطوير، أو توريد الأجزاء والتقنيات ذات الصلة، لحظر كامل من الأمم المتحدة.
التعاون مع كيانات أجنبية في هذا المجال سيكون عرضة للعقوبات أيضًا.
-العقوبات المالية والبنكية: سيتم تجميد جميع أصول المؤسسات الرئيسية للنظام الإيراني (بما في ذلك البنك المركزي الإيراني، والبنوك الحكومية، وصندوق التنمية الوطني، وغيرها) في الخارج.
سيتم تقييد أو حظر تحويل الأموال، وفتح الحسابات، وتقديم الخدمات المصرفية أو الاستثمار الأجنبي في إيران بشكل كبير.
-عقوبات قطاع الطاقة (النفط والغاز): ستخضع صادرات النفط الخام والغاز الطبيعي والمنتجات البتروكيماوية ومصادر الطاقة الأخرى الإيرانية للعقوبات مرة أخرى.
سيتم حظر الاستثمار الأجنبي في قطاع الطاقة الإيراني، وسيُمنع الشركات الدولية من أي مشاركة في مشاريع النفط أو الغاز في إيران.
-إعادة إدراج الأفراد والكيانات في قوائم العقوبات: سيعود العشرات من الكيانات والمؤسسات والأفراد الإيرانيين الذين كانوا تحت العقوبات سابقًا وتم إخراجهم من القائمة بموجب الاتفاق النووي إلى قائمة العقوبات السوداء لمجلس الأمن.
يشمل ذلك مسؤولي الحرس الثوري، ووزارة الدفاع، ومنظمة الطاقة الذرية، والشركات التابعة لمكتب المرشد، وغيرها من المؤسسات الرئيسية.
آلية صامتة لكنها جاهزة للانفجار
لم تعد آلية الزناد تهديدًا نظريًا. مع تصاعد مستوى التوتر النووي وحرب الـ12 يومًا بين إيران وإسرائيل، وفشل المفاوضات بشكل كامل، والضغوط الداخلية على الحكومات الأوروبية لتقديم "رد حاسم" على طهران، أصبحت إعادة فرض العقوبات الأممية الآن خيارًا محتملاً وتخضع للدراسة الرسمية.
تم تصميم هذه الآلية بحيث يمكن تنفيذها حتى في مواجهة مقاومة روسيا والصين، مما يجعلها أداة استراتيجية للغرب.
في الوضع المتوتر الحالي، يمكن أن يكون تفعيل آلية الزناد نقطة لا عودة في الأزمة النووية الإيرانية؛ بداية نهاية أي اتفاق دبلوماسي ودخول مرحلة جديدة من المواجهة الدولية.