خاص:النظام الإيراني يستغل سفاراته في الخارج للتجسّس ورصد المعارضين

أفاد دبلوماسيون وموظفون سابقون في السفارات الإيرانية، لقناة "إيران إنترناشيونال"، بأن نظام طهران يستغل بعثاته الدبلوماسية في الخارج لرصد المعارضين بشكل سري، وتمويل مشاريع نفوذ تحت غطاء أنشطة ثقافية ترعاها الدولة.
وقال موظف سابق في وزارة الخارجية الإيرانية لـ "إيران إنترناشيونال": "لكل سفارة إيرانية بالخارج قائمة بالأشخاص، الذين يجب مراقبتهم، وأشخاص يجب استقطابهم، وآخرين يجب إسكاتهم".
وأضاف موظف آخر عمل سابقًا في الوزارة نفسها: "هذا ليس عملًا دبلوماسيًا؛ بل تنفيذ ميداني لمهام خاصة".
وبحسب قوله، فإنه يتم إيفاد الأشخاص لهذه المهام، ولا تعيينهم بالطرق الدبلوماسية المتعارف عليها.
وكانت "إيران إنترناشيونال" قد نشرت سابقًا عدة تقارير حول شبكة النفوذ العابرة للحدود، التي يديرها النظام الإيراني، والتي تعمل تحت إشراف مباشر من مكتب المرشد الإيراني، علي خامنئي، وذراع الاستخبارات في الحرس الثوري الإيراني.
وتُظهر إفادات هؤلاء الدبلوماسيين والموظفين السابقين أن الجهاز الدبلوماسي للنظام الإيراني ليس قائمًا على مبادئ العمل الدبلوماسي المتعارف عليه، بل يعتمد على الأيديولوجيا، والتجسّس، والتمويل غير المشروع.
وبحسب هذه المصادر، التي طلبت عدم كشف هوياتها لدواعٍ أمنية، فإنّ البعثات الدبلوماسية الإيرانية في الخارج هي في الحقيقة مراكز استخباراتية لجمع المعلومات، ورصد المعارضين، ومراقبة المجموعات الطلابية، وتسليم الأموال والمعدات تحت غطاء الحصانة الدبلوماسية.
وفي مايو (أيار) من هذا العام، اعتقلت السلطات البريطانية ثمانية رجال، ووجّهت إلى ثلاثة منهم تهمًا بموجب "قانون الأمن القومي" تتعلق بالتجسّس لصالح النظام الإيراني، خصوصًا فيما يتعلّق بمراقبة صحافيي قناة "إيران إنترناشيونال" بين أغسطس (آب) 2024 وفبراير (شباط) 2025.
ولم يُحسم بعد ما إذا كانت لهذه التهم صلة مباشرة بسفارة إيران في لندن.
وقد وصفت وزارة الخارجية الإيرانية هذه التهم بأنها "سياسية" ورفضتها، لكن مسؤولين إيرانيين سابقين يؤكّدون أن هذه الممارسات جزء أساسي من أجندة النظام الإيراني في الخارج.
ورغم أن السفارات الإيرانية تبدو من الخارج ذات هيكل دبلوماسي تقليدي يضم سفيرًا وملحقين ومستشارين، فإنّ المصادر تؤكّد أن هذه العناوين غالبًا مجرد غطاء للمهام الحقيقية.
وقال دبلوماسي سابق في النظام الإيراني: "من يقدّم كمترجم قد يكون في الواقع المسؤول عن تنسيق التمويل مع الميليشيات التابعة، أما العناوين الرسمية فهي للواجهة فقط".
وفي إحدى القضايا البارزة في السنوات الأخيرة، استغل الدبلوماسي السابق في النظام الإيراني، أسد الله أسدي، مركزه لتهريب متفجّرات، من أجل تنفيذ هجوم ضد تجمع معارضين إيرانيين في العاصمة الفرنسية باريس.
وأظهرت إدانته في بلجيكا عام 2021 مدى ازدواجية أدوار الدبلوماسيين، الذين يمثّلون النظام الإيراني.
وقال موظف سابق في إحدى سفارات إيران لـ "إيران إنترناشيونال": "زملائي في إسطنبول وباكو كانوا يدخلون البلد بحقائب مليئة بالدولارات، وهم يعلمون أن لا أحد سيفتش حقائبهم".
ويؤدّي الملحقون الثقافيون في السفارات الإيرانية، خصوصًا المرتبطين بـ "منظمة الثقافة والعلاقات الإسلامية"، دورًا محوريًا من خلال تنظيم الفعاليات الدينية التي تشكّل غطاءً لاختيار واستقطاب عناصر محتملة للعمل لصالح النظام.
وفي يوليو (تموز) من العام الماضي، أغلقت ألمانيا "المركز الإسلامي في هامبورغ"؛ بسبب ارتباطه بالنظام الإيراني، وما وصفته وزارة الداخلية الألمانية بأنه "ترويج للتطرف ومعاداة السامية".
وبحسب هذه المصادر، فإنّ الجسم الدبلوماسي الإيراني مكوّن في معظمه من أبناء رجال الدين، وأشخاص مقرّبين من الطبقة الحاكمة؛ حيث قال أحدهم: "هل والدك إمام جمعة؟ هل عمّك قريب من المرشد؟ إذًا ستُمنَح الوظيفة".
وغالبًا لا علاقة للتعيينات بالمؤهلات المهنية؛ فلا اللغة ولا الخبرة المهنية تشكّل أولوية، بل الولاء للنظام هو المعيار الأساسي.
ورغم أن كثيرين من هؤلاء الأفراد قد طُردوا من البلدان التي عملوا فيها، أو كُشف عن نشاطهم، فإنّ البنية نفسها لا تزال قائمة، ويتمّ تدوير الموظفين الموثوقين بين البعثات في قارات مختلفة.
وقال دبلوماسي سابق: "كل مهمة اختبار؛ إذا نفّذت المطلوب بما يرضي النظام، فستنتقل إلى المهمة التالية".
وتنتشر هذه الشبكة أيضًا عبر منظمات واجهة؛ فقد ارتبطت لجنة "إغاثة الإمام الخميني" بتمويل حزب الله، كما وُجّهت اتهامات إلى الهلال الأحمر الإيراني باستخدامه من قِبَل فيلق القدس كغطاء لنقل الأسلحة.
بل اعترف عناصر من الحرس الثوري بأنهم تنكّروا كعاملين في المجال الإنساني خلال حرب البوسنة.
وتُعدّ وسائل الإعلام الرسمية للنظام الإيراني، مثل شبكات: "برس تي في" و"العالم" و"هيسبان تي في"، جزءًا من الآلة الدعائية والاستخباراتية له.
ففي عام 2011، طردت فرنسا أحد صحافيي هذه الشبكات؛ بتهمة نشر دعاية حكومية للنظام الإيراني.
وقد نفى كل من الهلال الأحمر الإيراني والحرس الثوري رسميًا هذه الاتهامات، مؤكدَين أنه في حال حدوث مثل هذه الأفعال، فإنها "لا تعكس السياسة الرسمية" لهذين الكيانين.
ورغم الشعارات الرسمية حول الزهد والتقشّف، يعيش العديد من هؤلاء الأفراد في ترف ظاهر.
فعلى سبيل المثال، بلغت كلفة إقامة أحد سفراء النظام الإيراني السابقين في باريس أكثر من 40 ألف يورو شهريًا.
وقال مصدر مطّلع: "يرسلون أبناءهم إلى مدارس علمانية، لكنهم في المقابل يعظون الآخرين بالدّين".
وتُظهر الوثائق المسرّبة أنّ بعض كبار الموفدين الإيرانيين كانوا يتلقّون، إضافة إلى ميزانيات بروتوكولية وبدلات سخية، رواتب تصل إلى ١٢ ألف دولار شهريًا.
وقال موظف سابق في إحدى السفارات: "هذه الرواتب بمثابة مكافأة ودرع حماية في آن واحد؛ فالنظام يشتري الولاء بالتّرف، ويعزلهم عن واقع حياة الشعب الإيراني العادي".
وتُبيّن هذه الإفادات أنّ الجهاز الدبلوماسي للنظام الإيراني لا يعمل بوظيفة دبلوماسية فعلية، بل هو امتداد عالمي للدولة الأمنية الإيرانية.
فالبعثات الإيرانية في الخارج تُرسل عناصر مدرّبة لحماية النظام، وليس لتمثيل إيران دبلوماسيًا.