أربعة عقود من "صراع" النظام الإيراني مع "تنزه الكلاب"

نعيمة دوستدار
نعيمة دوستدار

صحافية ومحللة اجتماعية

شهدت إيران على مدار أكثر من عقد محاولات قانونية ورسمية متكررة لحظر تنزه المواطنين بكلابهم في الشوارع، وهي مسألة تحولت إلى ساحة مواجهة خفية بين المواطنين وبنية السلطة.

في كل عام، ومع اقتراب فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، يهدد مسؤولو النظام المواطنين باتخاذ إجراءات ضد من يحملون كلابهم في الأماكن العامة.

ومن مشاريع القوانين الفاشلة في البرلمان إلى الأوامر القضائية والأمنية الصارمة، حولت السلطات على مدار أربعة عقود امتلاك الحيوانات الأليفة إلى قضية أمنية.

فلم يُمنع الكلاب من دخول الحدائق فحسب، بل قد يؤدي اصطحابها إلى السجن أو الجلد بالنسبة لأصحابها.

في شتاء عام 2011، ولأول مرة بعد الثورة الإسلامية عام 1979، تم تقديم مشروع قانون في البرلمان الإيراني يقضي بجمع الكلاب ومنع التنزه بها.

كان الهدف من هذا المشروع، الذي لم يتجاوز مرحلته الأولى ولم يتم التصويت عليه، هو مواجهة تزايد ظاهرة اقتناء الكلاب والتنزه بها، خاصة في المدن الكبرى كطهران.

طالب المشروع بإضافة مادة إلى قانون العقوبات تقضي بحظر التنزه بالكلاب وفرض غرامات مالية.

في مايو (أيار) 2011، نُوقشت المسألة تحت قبة البرلمان، وسعى النواب إلى إعداد مشروع يمنع الاحتفاظ بالكلاب في المنازل ويعاقب أصحابها بغرامات. لكن المشروع لم يُستكمل بسبب أولويات تشريعية أخرى.

وفي الشهر نفسه صرّح إسماعيل أحمدي مقدم، قائد الشرطة الإيرانية آنذاك، بأن "الكلب حيوان نجس ويجب ألا يتواجد في الأماكن العامة"، مشددًا على أن الشرطة ستتعامل مع من يحملون كلابًا في الشوارع.

وأشار إلى أن تنزه بعض الأشخاص بكلابهم يسبب "ازدحامًا مصطنعًا وإحساسًا بعدم الراحة"، مضيفًا: "في المجتمع الإسلامي، لا يُقبل وجود الكلاب في الأماكن العامة".

في أكتوبر (تشرين الأول) 2014، قُدم مشروع من 32 نائبًا في البرلمان التاسع، يقضي بحظر التنزه بالكلاب وتداولها أو الاحتفاظ بها حتى في المنازل.

هذا المشروع، الذي جاء بعنوان "إضافة مادة إلى قانون العقوبات"، نصّ على عقوبة تصل إلى 74 جلدة وغرامات مالية من 1 إلى 10 ملايين تومان للمخالفين.

كان المشروع يسعى عمليًا إلى حرمان المواطنين من حق امتلاك الكلاب (والقرود أيضًا)، لكنه لم يُعتمد في النهاية.

فتوى خامنئي بشأن تربية الكلاب والقطط

في مارس (آذار) 2015، وأثناء الجدل الدائر حول مشروع البرلمان، توجه موقع "اقتصاد أون لاين" إلى مكتب المرشد علي خامنئي لاستفتائه حول تربية الكلاب والقطط.

فجاء الجواب أن "اقتناء الكلاب، باستثناء كلاب الحراسة أو الصيد أو الرعي، أمر مذموم، وإذا كان تقليدًا لغير المسلمين أو يُسهم في نشر ثقافتهم أو يُسبب أذى للجيران، فهو محرم".

أما بخصوص القطط، فقال خامنئي إن "اقتناء القطة لا مانع فيه ما لم يروج للثقافة الغربية، وفراؤها وفمها ولسانها ليس نجسًا، لكن شعرها إذا التصق ببدن أو لباس المصلي يُبطل الصلاة، أما بولها وبرازها فنجسان باعتبارها من الحيوانات آكلة اللحوم".

في يناير (كانون الثاني) 2019، وبعد حادثة هجوم كلبين على فتاة مراهقة في منطقة لواسان، أعلن المدعي العام لطهران، عباس جعفري دولت ‌آبادي، أن "إزعاج الآخرين عبر التنزه بالكلاب في الشوارع والحدائق" يُعد جريمة إذا سبب أذى للمواطنين.

وأوضح أنه يجب التفريق بين مجرد التنزه بالكلب وبين الحالات التي تتسبب بـ"إزعاج عام"، مضيفًا: "حين تُنتهك الحقوق العامة، يمكن للجهاز القضائي التدخل".

في يناير (كانون الثاني) 2019، أعلن قائد شرطة طهران الكبرى، حسين رحيمي، حظر التنزه بالكلاب في العاصمة، وكذلك حظر نقلها داخل السيارات.

وأكد أنه حصل على إذن من المدعي العام لطهران للتعامل مع من يصطحبون الكلاب في الأماكن العامة مثل الحدائق.

في يونيو (حزيران) 2020، دعا كاظم موسوي، رئيس محكمة العدل العليا في محافظة فارس، إلى تجريم التنزه بالكلاب، واصفًا إياه بـ"السلوك الخطير".

وأشار إلى أن التنزه بالكلاب في الشوارع قد يؤدي إلى عقوبة تصل إلى ثلاث سنوات سجن و74 جلدة.
وطالب موسوي بتعامل "رادع ووقائي" من القضاء والشرطة.

مشروع "صيانة الحقوق العامة من الحيوانات الخطرة"

في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، تم تقديم مشروع قانون جديد في البرلمان الإيراني تحت عنوان "صيانة الحقوق العامة في مواجهة الحيوانات الضارة والخطيرة".

ووقع العشرات من النواب على المشروع، الذي يهدف إلى حظر تربية الحيوانات الأليفة، بما فيها الكلاب، في الشقق، وتجريم التنزه بها أو نقلها عبر وسائل النقل.

ونص المشروع على أن تنزه "الحيوانات النجسة أو الضارة بالصحة العامة مثل الكلاب" في الأماكن العامة ووسائل النقل ممنوع، ويُعاقب المخالف بغرامة مالية تتراوح بين مليون إلى خمسة ملايين تومان، إضافة إلى مصادرة الحيوان.

كما حظر المشروع الاحتفاظ بهذه الحيوانات في الشقق، واعتبر وجودها في البيوت الخاصة غير مشروع إذا اشتكى أحد الجيران.

وتمت إحالة المشروع إلى اللجنة القضائية والحقوقية بالبرلمان.

في ديسمبر (كانون الثاني) 2022، أعلنت اللجنة القضائية والحقوقية في البرلمان أنها صادقت على المشروع بعد تعديلات، مضيفة خمس مواد إلى الكتاب الخامس من قانون العقوبات.

وتضمنت المواد الجديدة منع تربية الحيوانات في المساكن المشتركة، وتجريم تنزهها أو نقلها بالسيارات دون ترخيص، مع فرض عقوبات تعزيرية من الدرجة السادسة، وتغليظ العقوبة عند التكرار.
وبعد إقرار اللجنة، أُحيل المشروع إلى الجلسة العلنية للبرلمان.

تنفيذ ميداني للتشديد

في مايو (أيار) 2022، أعلن محمد حسين حميدي، رئيس شرطة المرور في طهران، حظر نقل أي حيوان داخل السيارة ما لم يوضع داخل صندوق مغلق مثل الصندوق الخلفي، لتفادي الإزعاج.

وانتقد حميدي ضعف القوانين الحالية، قائلاً إن الغرامة البالغة 20 إلى 30 ألف تومان لمن ينقل كلبًا في السيارة "لا تردع"، وبعض المواطنين يفضلون دفعها ومواصلة التنقل بكلابهم.

في يوليو (تموز) 2022، أعلن حسين رحيمي، قائد شرطة طهران، تنفيذ خطة جديدة تمنع دخول الكلاب إلى حدائق العاصمة.

وأمر جميع أقسام الشرطة بتطهير الحدائق من الكلاب و"العناصر المزعجة"، قائلاً: "بعض الأشخاص يصطحبون كلابًا ضخمة ومخيفة إلى الحدائق، ما يُثير الهلع بين المواطنين".

وبناءً على ذلك، حُظر دخول جميع الكلاب إلى الحدائق.

في 31 مايو (أيار) 2025، أعلن محمد موسويان، المدعي العام في أصفهان، أنه لحماية "الحقوق العامة والاستجابة لمطالب الشعب"، يُمنع منعًا باتًا التنزه بالكلاب في جميع أنحاء المدينة، بما في ذلك الحدائق، الأماكن العامة ووسائل النقل.

وأمر موسويان الشرطة بإيقاف السيارات التي تحمل كلابًا، وتقديم المخالفين للعدالة، كما طالب بإغلاق محال بيع الحيوانات ومراكز الطب البيطري "غير المرخصة".

واعتبر هذا الإجراء ضروريًا لـ"صون الصحة والهدوء العام"، وأمر بلدية المدينة بوضع لافتات حظر تنزه الكلاب في الحدائق.

وفي يونيو (حزيران) 2025، وفي خطوة منسقة، أعلنت النيابات العامة في عدة محافظات كبرى مثل أذربيجان الغربية، قزوين، كرمان، كلستان، لرستان وهمدان، حظر التنزه بالكلاب في الأماكن العامة، الحدائق وحتى داخل السيارات.

وأكدت البيانات الرسمية أن التنزه بالكلاب يُعد "انتهاكًا للحقوق العامة وتهديدًا للصحة والسكينة الاجتماعية"، ووصفت السلوك بأنه "مخالف للقيم الدينية والاجتماعية".

في 4 يونيو (حزيران) الجاري، أوضح حسن شاكرمي، المدعي العام في محافظة البرز (كرج)، أن التنزه بالكلب مقيد وليس مُجرمًا بذاته، إلا إذا تسبب في إزعاج الآخرين.

ونفى شائعة "السماح بحرية التنزه بالكلاب" في كرج، مؤكدًا أن التعامل مع الكلاب "المزعجة" لا يزال ساريًا.