أرقام مرعبة: 75 في المائة من الإيرانيين تحت خط الفقر

في وقتٍ بدأت فيه أصوات الاعتراض على نمط حكم المرشد علي خامنئي تُسمع أعلى من أي وقت مضى، حتى من داخل النظام الإيراني، صرّح عيسى كلانتري، وزير الزراعة الأسبق وأحد أقدم المسؤولين في حكومات إيران، قائلاً: "خلال هذه الـ46 سنة، دمّرنا إيران".
وفي حوار صريح مع موقع "انتخاب"، أشار كلانتري إلى الانتشار غير المسبوق للفقر في إيران، وقال: "حوالي ثلاثة أرباع الشعب الإيراني – أي ما بين 70 إلى 75% – يعيشون تحت خط الفقر".
هذه الأرقام تُظهر فجوة واضحة مع الإحصاءات الرسمية، التي تتحدث غالبًا عن نسبة تتراوح بين 30 إلى 40% من السكان تحت خط الفقر.
كما حذّر كلانتري من الاستغلال المفرط للمياه الجوفية في البلاد، والذي أدى إلى هبوط حاد في التربة ببعض المناطق، مشيرًا إلى أن أجزاء من مدينة أصفهان باتت فعليًا "تقع فوق ستة أمتار من الهواء"، في إشارة إلى التصدع والانهيار الأرضي.
التحذير من ظاهرة الهبوط الأرضي وتبعاتها ليس جديدًا، إذ سبق لكل من الخبراء البيئيين، مثل محمد درويش، أن حذروا مرارًا من السياسات البيئية الكارثية لإيران.
لكن ما يجعل تصريحات كلانتري مميزة هو منصبه السابق الرفيع داخل هيكل السلطة الرسمي؛ إذ إنه مسؤول سابق يتحدث الآن بصراحة عن "دمار البلاد" نتيجة حكم نظام الجمهورية الإسلامية.
وتترافق تصريحاته مع انتقادات مشابهة من قبل مسؤولين آخرين، مثل مسعود روغني زنجاني، الرئيس الأسبق لمنظمة التخطيط والميزانية، الذي قال إن خامنئي يعارض رفاه الشعب، لأنه يعتقد أن الرفاهية تُفسد التدين.
اللافت في هذه التصريحات أنها تأتي من داخل النظام ومن أشخاص شاركوا في صناعة الوضع الحالي، وهو ما يُكسبها أهمية خاصة، لأنها تُشير إلى أن الأصوات المنتقدة تزداد علوًا، وتستهدف مباشرة سياسات المرشد وقادة الحرس الثوري.
رغم أن كلانتري لم يذكر خامنئي أو الحرس الثوري بالاسم، إلا أن نقده الواضح موجه إليهما، خاصة حين يصف السياسات الاقتصادية الكبرى بأنها "مناهضة للتنمية"، ويؤكد أن "لا يمكن إدارة بلد عبر الفقر"، وهي عبارة تتكرر بشكل متزايد بين المسؤولين الناقدين.
تصريحات كلانتري حول نسبة 75% من السكان تحت خط الفقر تنسف الرواية الرسمية للنظام، رغم أنه نفسه كان جزءًا من النظام لعقود، ولا يمكن إنكار مسؤوليته في إيصال البلاد إلى هذا الحال.
ومع ذلك، فإن ما يقوله يعكس أزمة أعمق بكثير: صوت الاعتراض لم يعد مقتصرًا على الناس في الشارع، بل أصبح يُسمع من داخل بنية الحكم. وهو الشرخ الذي تفاقم في السنوات الأخيرة بفعل الانتفاضات الشعبية، ليُهدد تماسك النظام.
في هذا السياق، أصبحت قضايا مثل الفساد البنيوي في الحرس الثوري فيما يتعلق بالعقوبات، تهريب النفط، والرفض المتعمد للانضمام إلى مجموعة العمل المالي، والاستفادة المالية من العداء لأميركا وإسرائيل، محور النقاش داخل النظام نفسه.
ويقول منتقدون إن الحرس الثوري، باعتباره البائع الرئيسي للنفط، يستفيد ماديًا من العقوبات تحت ذريعة التحايل عليها، فيما يدفع الشعب الثمن فقراً وبطالة.
قادة الحرس، الذين حلّوا محل الشركة الوطنية للنفط والبنك المركزي، يبيعون النفط بخصومات للصين، وتُحجز الأموال بعملة اليوان في البنوك الصينية، ما يُجبر إيران على استيراد سلع صينية باهظة الثمن ورديئة الجودة. وأحد الأمثلة على ذلك، شراء ثلاث طائرات مستعملة من نوع إيرباص من الصين بثلاثة أضعاف قيمتها الحقيقية، في نموذج فاضح للنهب تحت غطاء العقوبات.
هذا النموذج من الحكم، الذي يركّز على الشعارات مثل "الموت لأميركا" بدلاً من التفاعل العالمي البناء، لم يُعِق الاقتصاد فحسب، بل تحول إلى وسيلة للثراء الشخصي لبعض الفئات داخل النظام.
وفي طليعة هؤلاء "تجار العقوبات"، يقف قادة الحرس الثوري. وبحسب قول محمد حسين عادلي، المحافظ الأسبق للبنك المركزي، فإن حجم هذه الصفقات والفساد الناتج عن العقوبات يصل إلى أكثر من 50 مليار دولار.
لكن الأمر لا ينتهي هنا. أحد العوائق الكبرى أمام تحسين الوضع الاقتصادي هو رفض خامنئي والحرس الثوري المصادقة الكاملة على "FATF" والسبب الأساسي هو منع كشف التحويلات المالية التي تُستخدم في تمويل الجماعات الوكيلة كحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي والحوثيين. لأن القبول بالشفافية المالية يعني نهاية قدرتهم على غسل الأموال والقيام بتحويلات مالية سرية. وبالنسبة لهياكل متهمة بدعم الجماعات الإرهابية، فإن الشفافية لا تعني إلا الخطر والتهديد.
لهذا السبب، بقيت إيران أكثر من ثماني سنوات على القائمة السوداء لـ"FATF"، وهو ما أدى إلى عزلة مالية شديدة، غياب الاستثمارات الأجنبية، وتفاقم الأزمة الاقتصادية.
في ظل هذه الأوضاع، أصبحت الشقاقات داخل الحكم، مثل الخلاف بين روحاني وخامنئي، وهجمات روحاني غير المباشرة على سياسات المرشد، رغم كونها جزءًا من صراعات السلطة، فرصة أمام الرأي العام لكشف الحقائق المخفية.
أصبح الآن كل من حسن روحاني، وعيسى كلانتري، وعباس آخوندي، وعدد آخر من المسؤولين السابقين في إيران يعلنون صراحة أن البلاد تسير في المسار الخاطئ.
مسارٌ قائم على ما يسمى "الاقتصاد المقاوم"، والعداء الدائم للعالم، والفساد الممنهج. وهذا الشرخ في الحكم، إلى جانب الانتفاضات الشعبية المتكررة، قد يُفضي إلى تآكل تدريجي في أسس النظام ويُهدد بقاءه.