وبدت عبارته، في الظاهر، دعوةً إلى الوحدة. لكن في لغة النظام الإيراني الملتبسة، نادرًا ما تكون الأمثال الأخلاقية بريئة.
فخلف هذا النداء الهادئ للاصطفاف، كان يختبئ تحذيرٌ سياسيّ صريح: رسالةٌ إلى الفصائل المتناحرة داخل النظام بأن تتوقف عن التسريبات، عن كشف الفضائح، وعن الاقتتال الداخلي، قبل أن يُغرقهم الصراع جميعًا.
وعندما دعا شمخاني الجميع إلى "عدم ثَقب القارب"، طُرح السؤال الطبيعي: عن أيّ قاربٍ يتحدث؟ هل يقصد سفينة الشعب الإيراني؟ أم قارب النخب الذين تولّوا قيادته طوال خمسة عقود؟
ومن زاويةٍ أولى، يمكن قراءة "القارب" على أنه الدولة نفسها، سفينةٌ تتقاذفها العقوبات والاحتجاجات والأزمات، ومن هذا المنظور تبدو رسالته مألوفة: "تحذير رجال الأمن من الانقسام حفاظًا على بقاء النظام الإيراني".
ولكن أغلب الإيرانيين قرأوا الرسالة على نحوٍ آخر تمامًا.
فهذا لم يكن نداءً من أجل بقاء الوطن، بل نداء استغاثة من الطبقة الحاكمة نفسها، تذكيرًا من شمخاني لزملائه من أصحاب النفوذ بأن التسريبات التي تهدّد بإغراقهم جميعًا تأتي من داخل صفوفهم.
"وقاربهم" ليس إيران، بل سفينة الرفاه والامتياز والسلطة التي تُبقيهم طافين على السطح، بينما يغرق باقي الشعب في مياه المعاناة.
لقد أثبت التاريخ أنه حين تصطدم السفينة السياسية الإيرانية بالأمواج، لا يغرق القادة، بل الطاقم.
فالانهيار الاقتصادي والتضخم والقمع، كلها تضرب أولئك الذين يقفون أصلًا عند خط الغرق، ومنهم: العمّال، والمعلمون، والمتقاعدون، والشباب.
أما من يمسكون بدفّة القيادة، فلديهم قوارب نجاة جاهزة: حسابات مصرفية في الخارج، جوازات "دومينيكان"، فيلات في الجزر الخاصة أو حتى في لندن.
لذلك، حين يحذّر شمخاني قائلًا: "سنغرق جميعًا"، فهو لا يخاطب الباعة الجائلين ولا الممرضات العاجزات عن دفع الإيجار، بل يخاطب أقرانه من "الأوليغارشيين" ورجال الأمن الذين يخشون أن تحرقهم شمس الشفافية.
الأسطورة المتداعية عن "الورع الثوري"
تكمن قوة فضيحة الزفاف ليس في الحدث نفسه، بل في ما تكشفه: تآكل آخر ما تبقّى من شرعية النظام ومصداقيته الأخلاقية.
فعلى مدى عقود، برّر النظام الإيراني حكمه بشعار التضحية والتقوى. وكانت رسالته بسيطة: قد نكون صارمين، لكننا أتقياء.
وأما اليوم، فإن طبقته الحاكمة تعيش كأمراء منفيين وتلعن منتقديها.
وكل صورةٍ مسرّبة من مظاهر البذخ، وكل لمحةٍ من وراء الستار المخملي، تُسقط طبقةً جديدة من درع "الثورة الأخلاقي".
ولم يعد الفساد شرخًا في هيكل النظام، بل أصبح الهيكل ذاته. والشعب يدرك ذلك جيدًا. فالغضب الشعبي تحوّل إلى وعيٍ بارد: السفينة تغرق منذ زمن بعيد.
ولم يعد الإيرانيون ينتظرون إصلاحًا من الداخل، فقد أدركوا أن النظام غير قادر على إصلاح نفسه، لأنه لم يُبنَ يومًا على مبدأ المساءلة، بل على حماية من شيّدوه.
وهكذا، يصحّ مجاز شمخاني، ولكن ليس كما قصد هو.
إيران بالفعل قارب، لكنّه قاربٌ يتناول فيه القلّة عشاءهم تحت الثريات، فيما يتخبّط الآخرون في العتمة، محاولين إخراج الماء من جوفه.
الأمواج ترتفع، وهذه المرة، الركّاب في الطبقات السفلى لن يغرقوا بصمت.