وبحسب نتائج التصويت، الذي جرى في جلسة بعد ظهر يوم الخميس 18 ديسمبر (كانون الأول) في نيويورك، فقد انخفض عدد الأصوات المؤيدة قليلًا مقارنة بالعام الماضي، كما تراجع عدد الأصوات الممتنعة.
وكان القرار قد أُقرّ العام الماضي بـ 80 صوتًا مؤيدًا، و27 معارضًا، و68 ممتنعًا. كما تُظهر مقارنة هذا التصويت مع تصويت اللجنة الثالثة للجمعية العامة في الشهر الماضي أن الجزء الأكبر من الفروقات ناتج عن غياب أو حضور دول معيّنة.
وسبق أن اعتمدت اللجنة الثالثة للجمعية العامة، صباح الأربعاء 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي قرار إدانة انتهاكات حقوق الإنسان في إيران بـ 79 صوتًا مؤيدًا مقابل 28 معارضًا، وهو نص ركّز هذا العام بصورة أوسع على الإعدامات، وحقوق النساء، وقمع المتظاهرين، والقمع العابر للحدود.
وكانت الدول التي امتنعت عن التصويت في اللجنة الثالثة، مثل سيراليون وبنين ومدغشقر وسانت فنسنت والغرينادين، قد غابت عن تصويت يوم الخميس في الجلسة العامة، في حين أن دولًا مثل جزر القمر وجمهورية أفريقيا الوسطى وغينيا الاستوائية، التي كانت غائبة سابقًا، امتنعت هذه المرة عن التصويت.
ولم تغيّر سوى قلة من الدول موقفها حيال وضع حقوق الإنسان في إيران؛ من بينها جمهورية الكونغو، التي انتقلت من التصويت ضد القرار إلى الامتناع، وموريتانيا التي حوّلت تصويتها من التأييد إلى الامتناع.
تركيبة أصوات أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة
بالمقارنة مع التصويت النهائي للعام الماضي، انتقلت بعض الدول من الامتناع أو التأييد إلى الغياب، بينما غيّرت دول، مثل هايتي وتوفالو، موقفها من الغياب إلى التصويت المؤيد.
ومن بين التغييرات اللافتة، انتقلت الهند وتركمانستان من الامتناع إلى التصويت ضد القرار، في حين اكتفت أنتيغوا وبربودا وساموا بالامتناع بدلًا من دعم القرار صراحةً.
وتُظهر هذه الأنماط أنه رغم وجود إجماع واسع على ضرورة استمرار الرقابة الدولية على وضع حقوق الإنسان في إيران، فإن مستوى الدعم الفعلي يشهد تذبذبًا، وأن التصويت بات يتأثر أكثر بالاعتبارات السياسية والدبلوماسية لكل دولة.
القمع العابر للحدود.. إشارة غير مسبوقة في وثيقة رسمية للأمم المتحدة
يُعدّ إدراج مسألة «القمع العابر للحدود» من أبرز بنود قرار هذا العام، إذ تُذكر هذه القضية للمرة الأولى في وثيقة صادرة عن الجمعية العامة بشأن إيران.
ويشير النص إلى أن المعارضين والصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، وحتى أفراد عائلاتهم في الخارج، يتعرضون للضغط والتهديد والهجمات السيبرانية والمراقبة.
كما يؤكد القرار أن عائلات هؤلاء داخل إيران تُستخدم كأداة ضغط لإسكات المنتقدين في الخارج، ويعرب عن قلق بالغ إزاء تهديد عائلات ضحايا رحلة الطائرة الأوكرانية «PS752»، وكذلك الناجين من احتجاجات عام 2022.
قلق شديد من تصاعد الإعدامات وغياب المحاكمات العادلة
خصص القرار جزءًا مهمًا لمسألة الإعدامات، معربًا عن القلق من «الزيادة المقلقة والملحوظة» في أعدادها، ولا سيما تلك التي تستند إلى اعترافات قسرية ودون احترام لضمانات المحاكمة العادلة.
ويؤكد أن عقوبة الإعدام تُطبَّق بصورة غير متناسبة بحق الأقليات البلوشية والكردية والعربية، وأن أعداد المواطنين الأفغان الذين يُعدمون آخذة في الارتفاع.
كما يتناول القرار إعدام القُصر، وسرية تنفيذ الأحكام، وعدم تسليم الجثامين للعائلات، واستخدام الإعدام كأداة لقمع الاحتجاجات، داعيًا السلطات الإيرانية إلى التوجه نحو تعليق رسمي لتنفيذ هذه العقوبة.
حقوق النساء.. من الحجاب الإجباري إلى القتل والعنف البنيوي
تحظى أوضاع النساء والفتيات بمكانة بارزة في نص هذا العام. إذ يدين القرار القمع الممنهج للنساء، سواء في الشارع أو في الفضاء الإلكتروني، ويعتبر القوانين المرتبطة بالحجاب الإجباري، بما فيها قانون «العفاف والحجاب»، تهديدًا خطيرًا للحريات الأساسية.
ويعرب عن القلق من الاستخدام الواسع لتقنيات التعرّف على الوجوه لمراقبة الطالبات، ومن فرض عقوبات مثل الغرامات، ومصادرة الممتلكات، وتعليق الدراسة، ومنع السفر، بل وحتى إصدار أحكام بالإعدام.
كما يشير النص إلى ظواهر مثل قتل النساء، و«جرائم الشرف»، وزواج القاصرات، والعنف الأسري، مطالبًا بإقرار قانون شامل لحماية النساء وإلغاء سياسات الحجاب الإجباري بالكامل.
الأقليات العرقية والدينية.. تأكيد على التمييز البنيوي
في الفقرات المتعلقة بالأقليات، يعبّر القرار عن القلق من التمييز الواسع ضد البلوش والأكراد والعرب الأهوازيين والترك الأذريين، مشيرًا إلى أن عددًا أكبر من ضحايا الاحتجاجات سقطوا في مناطق الأقليات.
كما يبدي قلقه إزاء أوضاع الأقليات الدينية، بمن في ذلك البهائيون، والمسيحيون المتحوّلون، والدراويش، واليهود، وأهل السُّنّة، وأتباع اليارسان، والزرادشتيون، ويتناول حالات الاختفاء القسري، والاعتقالات التعسفية، وتدمير أماكن العبادة.
ويُدان في النص صراحةً معاداة السامية وأي إنكار للمحرقة (الهولوكوست).
قمع الاحتجاجات.. اعتقالات تعسفية وعنف واسع
شكّلت احتجاجات عام 2022 وتداعياتها محورًا آخر في القرار، حيث يُنتقد استخدام العنف المميت ضد المتظاهرين، وممارسات التعذيب- بما في ذلك العنف الجنسي- والاعتقالات الجماعية، وإصدار أحكام قاسية بحق المحتجين.
ويطالب القرار الحكومة الإيرانية بالإفراج عن جميع المعتقلين على خلفية الاحتجاجات، وإجراء تحقيقات سريعة ومستقلة وشفافة في الانتهاكات.
كما يشدد على ضرورة وقف مضايقة محامي المتظاهرين والصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان وعائلات المحتجين.
اللاجئون الأفغان.. قلق من عمليات الترحيل القسري الواسعة
يشير القرار إلى استضافة إيران واحدة من كبرى مجموعات اللاجئين في العالم، لكنه يعرب عن قلق بالغ إزاء الترحيل القسري لأكثر من مليون و650 ألف أفغاني في عام 2025، وهو إجراء يعرّض النساء والفتيات الأفغانيات خصوصًا لخطر التعذيب والقتل.
كما يبرز القيود المفروضة على الخدمات المقدمة لغير الحاصلين على وثائق قانونية، والتهديدات الواسعة لحقوقهم.
الفجوة مع المعايير الدولية والدعوة إلى التعاون مع الأمم المتحدة
في ختام النص، دعا القرار السلطات الإيرانية إلى تعزيز تعاونها مع آليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، بما في ذلك السماح بزيارة المقرر الخاص وهيئة تقصّي الحقائق، ومواءمة القوانين الداخلية مع الالتزامات الدولية، وإنشاء مؤسسة وطنية مستقلة لحقوق الإنسان وفق مبادئ باريس.
كما شدد على تنفيذ توصيات الاستعراض الدوري الشامل (UPR).
ومع اعتماد هذا القرار في الجمعية العامة، سيستمر بحث وضع حقوق الإنسان في إيران في الاجتماعات المقبلة للأمم المتحدة.