ويهدف هذا المقال إلى تحليل أسباب إطلاق هذه التهديدات الثلاثة من قِبل أحد أبرز مسؤولي النظام الإيراني، وبيان الدوافع والخلفيات المحتملة وراء هذه المواقف:
- التهديد بصنع سلاح نووي: قال شمخاني إنه لو عاد إلى الفترة التي كان فيها وزيرًا للدفاع "لصنع بالتأكيد قنبلة نووية"، معتبرًا أنّ هذا النوع من الأسلحة يجب أن يكون جزءًا من القدرات الرادعة للبلاد.
- التهديد الصاروخي: تحدث شمخاني عن استخدام صواريخ أبعد مدى وأقوى في "الحرب المقبلة"، وأعلن أن مثل هذه الصواريخ متوفرة الآن. هذا الجزء من تصريحاته موجّه في المقام الأول إلى أميركا والدول الأوروبية.
- التهديد البحري: هدّد شمخاني بأنّ القوة البحرية التابعة للحرس الثوري يمكن أن تلعب دورًا جديدًا في "إرباك المعادلات الإقليمية وتعطيل المسارات الاستراتيجية للعدو"، وهي قوة لم تُستخدم في الحرب السابقة، ويمكنها الآن دخول الميدان.
لماذا أطلق شمخاني هذه التهديدات؟
هذه المواقف ليست استعراضًا للقوة بقدر ما تعبّر عن قلق وذعر قيادة النظام الإيراني من احتمال وقوع "حرب كبيرة" قد تؤدي إلى سقوطه.. وثمة عدة أسباب تدعم هذا التفسير، ومنها:
- شمخاني هو مستشار سياسي للمرشد الإيراني، وقربه من خامنئي يجعل تصريحاته تُعدّ إلى حدّ ما "صوت النظام"، أي أنها تعكس مخاوف أعلى مستويات صنع القرار، لا مجرد رأي شخصي.
- في الأشهر الأخيرة، فقد النظام الإيراني أجزاء مهمة من شبكته الإقليمية ووكلائه، وأدّت الهزائم المتتالية للجماعات التابعة له إلى فقدانه دروعه وسيوفه الإقليمية.
- من الناحية الاستراتيجية، عندما تضعف الأدوات الإقليمية والنيابية، تزداد الرغبة في امتلاك أدوات ردع مباشرة، مثل السلاح النووي أو الصواريخ العابرة للقارات.
نظرة أقرب إلى كل تهديد
التهديد النووي:
تصريحات شمخاني حول ضرورة امتلاك السلاح النووي تتجاوز الرأي الشخصي أو العسكري، وتشير إلى أن هناك قناعة متزايدة داخل أعلى مستويات النظام بأن السلاح النووي يشكّل "ردعًا" ينبغي السعي إليه.
ويدرك شمخاني أنّ هذا الكلام ستكون له تبعات دولية وإعلامية، ومِن ثمّ فإنّ إعلانه العلني يحمل رسالة واضحة إلى أميركا و"الناتو" وإسرائيل: "إذا أوصلتمونا إلى حافة الإزالة أو الضعف الكامل، فقد نلجأ إلى صنع أسلحة نووية".
والهدف من هذه الرسالة هو رفع كلفة أي هجوم محتمل، وتقليل رغبة الغرب في العمل العسكري، لكن من غير المرجّح أن يؤدي ذلك إلى تراجع أميركا أو "الناتو" أو إسرائيل، بل قد يدفعهم إلى تعزيز جهودهم لاحتواء خطر النظام الإيراني وربما الإطاحة به.
التهديد الصاروخي ضد أوروبا وأميركا
الشق الصاروخي من تصريحات شمخاني، من حيث المدى المعلن على الأقل، ليس موجّهًا فقط إلى إسرائيل، التي سبق أن كانت هدفًا لصواريخ الحرس الثوري، بل أيضًا إلى العواصم الأوروبية وواشنطن.
وتمثّل الإشارة إلى صواريخ بعيدة المدى، واحتمال السعي لصواريخ عابرة للقارات، رسالة مباشرة إلى واشنطن ولندن وباريس وبرلين مفادها: "إذا شننتم هجومًا كبيرًا، فنحن أيضًا نسعى إلى امتلاك القدرة على الردّ على أوروبا وأميركا".
وهذا التهديد يعكس في جوهره الخوف، الذي يشعر به النظام من تنسيق محتمل بين أميركا و"الناتو" وإسرائيل في عملية عسكرية كبرى، أي أنه تعبير عن ذعرٍ عميق أكثر منه تعبيرًا عن قوة.
التهديد البحري والتكلفة الإقليمية
تعكس تصريحات شمخاني حول قدرة القوة البحرية للحرس الثوري على "إرباك المعادلات" رغبة في استخدام هذا الذراع لردع أميركا وحلفائها عن خوض مواجهة بحرية مع إيران، خاصة بعد عودة عقوبات الأمم المتحدة واحتمال بدء عمليات تفتيش السفن الإيرانية.
ولكن يجب التذكير بأنّ أي تحرك بحري من جانب الحرس الثوري قد يعرّضه لردّ عنيف من الولايات المتحدة وحلفائها، ويؤدي إلى تدمير واسع للقوة البحرية الإيرانية، فضلًا عن انعكاسات اقتصادية مدمّرة على البنية التحتية والاقتصاد الإيراني.
ولذلك، يمكن اعتبار هذا التهديد أيضًا نوعًا من التهويل الناتج عن الخوف، ورسالة إلى أميركا و"الناتو" وإسرائيل لردعهم عن شنّ هجوم مشترك واسع النطاق.
تهديد من موقع ضعف أم قوة؟
تعكس التهديدات الثلاثة- النووية والصاروخية والبحرية- شعورًا متزايدًا بالتهديد والسقوط لدى قمة النظام الإيراني أكثر مما تعبّر عن ثقة أو قوة. فعندما يبدو خطر السقوط أو الانهيار وشيكًا، يميل صانعو القرار إلى إشهار أدوات الردع القصوى؛ لإظهار أن ثمن المواجهة سيكون باهظًا. ومن وجهة نظر النظام الإيراني، السلاح النووي والصواريخ بعيدة المدى هما أبرز تلك الأدوات.
ومع ذلك، من غير المرجّح أن تدفع هذه التهديدات الثلاثة أميركا أو الناتو أو إسرائيل إلى التراجع.
فبينما تنتظر واشنطن وأوروبا نتائج العقوبات المتجدّدة على النظام الإيراني، تسعى إسرائيل إلى تسريع وتكثيف هجومها.
وفي النهاية فإن تصريحات شمخاني تعكس خوف النظام الإيراني العميق من اندلاع تلك الحرب الكبرى، حتى وإن كان موعدها لا يزال مجهولاً.