الآن، بعد عامين من ذلك الحدث، يمكن القول إن النظام الإيراني يواجه وضعًا أكثر تعقيدًا وتناقضًا من السابق؛ من جهة يواجه تضعيفًا ميدانيًا لتحالفاته، ومن جهة أخرى يحاول من خلال الاستفادة من الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية والأيديولوجية الحفاظ على نفوذه الإقليمي وإعادة تعريفه.
يُنظر إلى هجوم 7 أكتوبر على أنه نتاج شبكة من الجماعات القريبة من النظام الإيراني، لكن في الواقع، كانت تداعياته على طهران ليست سهلة.
في عام 2024، شنت إسرائيل وحلفاؤها هجمات متعددة على البنية العسكرية لحماس وحزب الله والقوات التابعة للنظام الإيراني في سوريا. وفقًا لمركز "تشاتام هاوس"، فإن هذه الهجمات وضعت محور المقاومة في موقف "ضعف أو على حافة الانهيار". ومع ذلك، حاول النظام الإيراني إدخال تغييرات على استراتيجيته وإعادة ترتيبها تحت الضغط العسكري.
خلال العامين الماضيين، سعى ما يُعرف بمحور المقاومة، تحت ضغط إسرائيل وأميركا، إلى الخروج من كونه مجرد تحالف عسكري، والتحول إلى شبكة متعددة الأوجه من الروابط المالية والسياسية والأيديولوجية.
ومن خلال التدفقات المالية العابرة للحدود، والتعاون في مجال الطاقة، والدعم الإعلامي، حاول النظام الإيراني الحفاظ على هيكل هذا المحور حيًا وفعالًا.
في هذه المرحلة، يشهد الشرق الأوسط وقوى المقاومة فيه مرحلة جديدة من التغير، وهنا تبرز أهمية تفعيل آلية الضغط الاقتصادي والعزلة الشديدة للنظام الإيراني في المنطقة.
العلاقات مع الجيران العرب: من التنافس إلى الحذر
كانت حرب غزة اختبارًا جادًا للعلاقات المستعادة بين إيران والمملكة العربية السعودية. منذ اتفاق بكين في ربيع 2023، كان البلدان يسيران على مسار تخفيف التوتر، لكن أزمة غزة كشفت مرة أخرى عن فجوات خفية.
كما لعبت قطر دور الوسيط، وكانت الموقع الرئيسي لمفاوضات وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل. وقد رحبت طهران ضمنيًا بهذا الدور، إذ سمحت قطر للسلطات الإيرانية بمتابعة جزء من مطالبها السياسية عبر مفاوضات غير مباشرة دون مواجهة مباشرة مع الغرب.
أما تركيا، فقد اتخذت موقفًا حادًا ضد إسرائيل بعد الهجوم، مستدعية سفيرها، لكنها، خلافًا للنظام الإيراني، تجنبت الانخراط في مواجهة مباشرة.
بشكل عام، أدت حرب غزة إلى أن تصبح علاقات النظام الإيراني مع الجيران المسلمين أكثر اعتمادًا على الحذر وليس على الانسجام الأيديولوجي.
المواجهة مع الولايات المتحدة والغرب
أعاد "7 أكتوبر" اسم إيران إلى صدارة المخاوف الأمنية في الغرب. حيث اتُهمت طهران، بعد السابع من أكتوبر، بالدعم التسليحي والتدريبي لحماس، رغم عدم تقديم دليل قاطع. ومع ذلك، من خلال الوثائق المكتشفة في أنفاق حماس، والصورة التي نشرتها مؤخرًا وسيلة إعلام قريبة من الحرس الثوري من غرفة عمليات 7 أكتوبر قبل أن تُحذف، يمكن استنتاج أن إيران لم تكن غافلة عن الهجوم.
ردًا على ذلك، فرضت واشنطن وحلفاؤها عقوبات جديدة على المؤسسات المالية والأشخاص المرتبطين بمحور المقاومة.
إلى جانب الضغط الاقتصادي، زاد الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، حيث تمركزت حاملات الطائرات في شرق المتوسط والمنطقة الخليجية، وشنت هجمات على قواعد شبه عسكرية مدعومة من إيران في سوريا والعراق.
كانت هذه الاستعراضات العسكرية رسالة واضحة لطهران: أي توسع للصراع إلى جبهات أخرى سيواجه ردًا مباشرًا من الولايات المتحدة.
في الوقت نفسه، فرض الاتحاد الأوروبي، مع دعم وقف إطلاق النار الإنساني، عقوبات جديدة على الشبكات المالية والتكنولوجية المرتبطة بالحرس الثوري.
نتيجة لذلك، بعد 7 أكتوبر، توقف عمليا مسار التهدئة المحدود للنظام الإيراني مع الغرب، بينما أصبح الأميركيون، الذين كانت إيران تسعى لإخراجهم من المنطقة، متواجدين بكامل قوتهم العسكرية.
التوجه نحو الشرق
ردًا على العزلة المتزايدة من الغرب، توجه النظام الإيراني أكثر نحو الشرق. وصلت العلاقات العسكرية مع روسيا إلى أعلى مستوياتها بعد حرب أوكرانيا، وبدأ البلدان تعاونًا استراتيجيًا جديدًا من خلال اتفاقيات دفاعية وأمنية.
قدمت طهران جزءًا من الاحتياجات العسكرية لموسكو من خلال تزويدها بالطائرات المسيّرة والمعدات، وفي المقابل استفادت من الدعم الدبلوماسي الروسي في مجلس الأمن.
أما الصين، فازدادت أهميتها باعتبارها المشتري الرئيسي للنفط الإيراني وشريكًا رئيسيًا في مشاريع البنية التحتية، حيث ترى طهران عنصرًا محوريًا في الهيكل الأمني الجديد لغرب آسيا، ودعمت وجودها ضمن أطر منظمة شنغهاي وبريكس.
وبذلك، رغم عزلة إيران عن الغرب، فقد وجدت موقعًا جديدًا في الشرق، قائمًا على التعاون الاقتصادي والسياسي مع موسكو وبكين.
يمكن القول إن آثار السابع من أكتوبر لا تزال حاضرة، ويظهر الوضع المزدوج للنظام الإيراني: من جهة، ضعفت تحالفاته الإقليمية وتعرض نفوذه العسكري لضربات إسرائيلية متتابعة؛ ومن جهة أخرى، استطاع، عبر التحالفات الشرقية والدبلوماسية النشطة والشبكات الاقتصادية، الحفاظ على نفوذه حتى الآن.
لم يعد محور المقاومة يعتمد فقط على الصواريخ والحرب، بل أصبح شبكة من الروابط السياسية والمالية، ولا يزال يعمل تحت راية الأيديولوجيا الإيرانية.
يبقى السؤال: مع خطة السلام المقترحة من ترامب وهدوء جبهة غزة، ما التحولات المقبلة في مناطق نفوذ إيران؟ الأشهر القادمة ستكون حاسمة لتحديد مستقبل الشرق الأوسط.