وأوضح المصدر أن الطرف الصيني الرئيس، الذي يتعامل معه الحرس الثوري هو شركة "هاوكان إنرجي غروب"، وهي شركة مقرّها بكين، وتَدين لإيران بنحو مليار دولار نتيجة صفقات نفطية أُبرمت خلال السنوات الماضية مع شركات تابعة للحرس الثوري.
وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد فرضت عقوبات على شركة "هاوكان إنرجي" في مايو (أيار) 2022، متهمةً إياها بشراء ملايين البراميل من النفط المنسوب إلى "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني، والمشاركة في تسهيل تحويل عائدات هذه المبيعات.
ووفقًا للمصدر ذاته، فقد توجه وفد رفيع من الحرس الثوري إلى الصين في سبتمبر (أيلول) الماضي؛ حيث عقد اجتماعات مع مديري شركة "هاوكان" لبحث تسوية الديون المتبقية.
ولم ترد أي إشارة رسمية إلى زيارة وفد الحرس الثوري إلى الصين، إلا أن وفدًا حكوميًا إيرانيًا رفيع المستوى بقيادة الرئيس مسعود بزشكيان كان قد زار بكين في الفترة نفسها، وأعلن لاحقًا أن "اتفاقات جيدة" أُبرمت مع الجانب الصيني.
وبيّن المصدر أن أحد هذه الاتفاقات نصّ على أن تقوم شركة "هاوكان" بسداد جزء من ديونها النفطية لإيران عبر تسليم أسلحة مباشرة إلى الحرس الثوري.
ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان هذا الاتفاق قد دخل حيّز التنفيذ أم لا، غير أن هذه هي المرة الأولى التي يُكشف فيها عن صفقة تُسدَّد فيها مستحقات النفط الإيراني عبر معدات عسكرية صينية.
وجدير بالذكر أن شركة "هاوكان" لم ترد على طلب "إيران إنترناشيونال" للتعليق على هذه المعلومات.
سقوط جزء كبير من منظومة الدفاع الإيرانية
تُجري إيران محاولات لشراء أسلحة من الصين في وقت تضرّرت فيه أجزاء واسعة من منظوماتها الدفاعية، خلال الحرب التي استمرت 12 يومًا مع إسرائيل؛ حيث أصبحت استعادة القدرات الدفاعية أولوية قصوى لطهران.
ووفقًا للتقارير والتقييمات الميدانية والعسكرية، فقد تعرّضت بنى تحتية دفاعية واسعة للتدمير خلال هذه المواجهة: فقد دُمرت أكثر من 70 منظومة دفاع جوي، إضافةً إلى رادارات رئيسة، ما أدّى إلى تراجع ملحوظ في القدرة العملياتية لإيران.
وأعاق تفعيل "آلية الزناد"، خلال الشهر الماضي، جهود طهران لشراء أسلحة وإعادة الإعمار، والتي أعادت تلقائيًا جميع عقوبات الأمم المتحدة المفروضة على إيران، ما يجعل إعادة تجهيزها عسكريًا أمرًا بالغ الصعوبة.
وبموجب هذه العقوبات يُحظر كليًا تصدير أو استيراد الأسلحة من إيران- شاملةً الأسلحة الخفيفة والثقيلة والذخائر والمنظومات الصاروخية وحتى التكنولوجيا المرتبطة بها- كما تُمنع إيران من بيع أو شراء أي معدات عسكرية، سواء عبر القنوات الرسمية أو غير الرسمية.
كما تُفرض قيود صارمة على أي نشاط مرتبط بالصواريخ الباليستية لإيران، بما في ذلك التجارب والإنتاج والبحث والتطوير أو تأمين القطع والتقنيات ذات الصلة، وأي تعاون مع جهات خارجية في هذا المجال سيصبح عرضة للمساءلة والعقاب بموجب قرارات الأمم المتحدة.
وتعارض بكين تفعيل "آلية الزناد" ضد طهران، ولم تُعلن حتى الآن التزامها بهذا الحظر، بحسبما أفادت التقارير.
وفي وقتٍ موازٍ، نقلت وكالة "بلومبرغ" عن شركاتٍ صينية أنها تتبادل قطع غيار سيارات بمواد معدنية إيرانية، مثل النحاس والزنك، في إطار آلية تبادلية جديدة بين بكين وطهران تهدف للالتفاف على العقوبات الغربية.
ووفقًا للتقرير، تأتي هذه المعاملات كجزء من شبكة معقّدة تُجري فيها صفقات سيارات مقابل معادن أو حتى منتجات زراعية مثل الكاجو، لتجاوز القيود الناجمة عن العقوبات الأميركية، علمًا بأن المواد الغذائية ليست خاضعة للعقوبات.
وكشف مصدر لـ "إيران إنترناشيونال" أن قنوات بديلة لشراء السلاح من الصين تعمل عبر شبكات تجارية تابعة لهيئات مسلحة إيرانية أخرى إلى جانب الحرس الثوري.
وبينما يتواصل الحرس الثوري مباشرة مع شركة "هاوكان"، نقل المصدر أن المدير التنفيذي لشركة "سَِبهر إنِرجي"، مجد أعظمي، يلعب بدوره دورًا محوريًا موازيًا في مفاوضات اقتناء منظومات تسليحية من الصين.
وقبل ذلك، كانت وزارة الخزانة الأميركية قد فرضت عقوبات على أعظمي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، بسبب دوره المركزي في تصدير النفط دوليًا لصالح هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية.
وذكر المصدر أن أعظمي عرضه خلال لقاء مع ممثّلين عن شركة صينية نشطة في قطاع الطاقة، ومقرّها الرئيس في هونغ كونغ، صفقة لشراء منظومات دفاع جوي متقدمة لصالح إيران.
وبهذا الشكل استغلت شبكات سماسرة النفط المرتبطة بجهات مسلّحة أخرى في إيران- إلى جانب الحرس الثوري- علاقاتها ووجودها في سوق الطاقة الصينية لتيسير صفقات تسليحية.
ولعبت في ذلك شركة صينية تعمل كوسيط بين أعظمي والقطاع الصناعي العسكري في الصين.
وأشارت التقارير إلى أن عمليات بيع قطع ومواد ذات استخدام عسكري من شركات صينية إلى الحرس والقوات المسلحة الإيرانية ليست سابقة؛ ففي 5 يونيو (حزيران) من هذا العام، نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن اتفاق بين شركة صينية تُدعى "Lion Commodities Holdings Limited" وشركة إيرانية مرتبطة بهيئة الأركان، لتوريد آلاف الأطنان من مادة "نترات الأمونيوم" لاستخدامها في تصنيع وقود الصواريخ.
وفي هذا السياق، كشف مصدر مطلع لـ "إيران إنترناشيونال" أن الجانب الصيني أعرب صراحةً عن رغبته في بيع منظومات تسليحية لإيران، على غرار ما يبيعه لكلٍّ من باكستان والهند.
وكان معهد هدسون الأميركي قد أشار سابقًا إلى رغبة طهران في الحصول على مجموعة واسعة من المعدات العسكرية من الصين، تشمل الطائرات المقاتلة ومنظومات الدفاع الجوي والصواريخ.
كما نشرت مجلة "نيوزويك"، بعد أقل من شهر على الحرب، التي استمرت 12 يومًا، تقريرًا تحدث عن اهتمام إيران بشراء أسلحة صينية.
وفي 16 يوليو (تموز) الماضي نقل موقع "ميدل إيست آي" عن مصدر دبلوماسي عربي قوله إن الصين نقلت إلى إيران منظومات صاروخية أرض- جو متطورة في الأسابيع، التي أعقبت وقف إطلاق النار مع إسرائيل، مقابل شحنات نفطية إيرانية أرسلتها طهران إلى بكين.
دور القوات المسلحة في صفقات النفط الإيراني
وفقًا لعدة بيانات صادرة عن وزارة الخزانة الأميركية، فإن جزءًا كبيرًا من صادرات النفط الإيراني يتم عبر شركة "سِبهْر إنرجي"، التابعة لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، وتقدّر عوائدها السنوية بعدة مليارات من الدولارات تذهب إلى الحرس الثوري الإيراني، وفيلق القدس، وهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة.
وأوضحت وزارة الخزانة الأميركية أنّه في ديسمبر (كانون الأول) 2024 وحده، قامت هذه الشركة وشبكتها التابعة بتصدير ما يقرب من مليوني برميل من النفط إلى الصين، بقيمة تجاوزت 100 مليون دولار.
كما كشف تقرير خاص لوكالة "رويترز" أنّ الحرس الثوري الإيراني سيطر بحلول نهاية عام 2024، من خلال "أسطول الظل" وشركات وهمية، على نحو 50 في المائة من صادرات النفط الإيراني، والتي كانت تتجه في معظمها إلى الصين- وهي نسبة ارتفعت بشكل كبير مقارنة بعام 2021، حين لم تتجاوز 20 في المائة.
الاستثمارات الفاشلة لشركة "هاوكان غروب" الصينية في إيران
قال مصدر لـ "إيران إنترناشيونال": "إن شركة هاوكان حاولت خلال السنوات الأخيرة تسوية ديونها لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية من خلال توقيع عقود مع مقرّ خاتم الأنبياء وتسليم طائرة ركّاب كجزء من عملية السداد.
وفي 25 مايو (أيار) الماضي، ذكرت وكالة أنباء "إيلنا" الإيرانية أن شركة "هاوكان إنرجي" قامت بمقايضة نفط إيراني بقيمة 116 مليون دولار مقابل طائرتين من طراز إيرباص A330، تبلغ قيمة كل واحدة منهما أقل من 30 مليون دولار.
وبحسب التقرير ذاته، فقد دخلت الشركة خلال حكومة الرئيس الإيراني الراحل، إبراهيم رئيسي، في مشروع تطوير المرحلة الثانية من مطار الإمام الخميني في طهران، لكنها تخلّت عن المشروع بعد وضع حجر الأساس. كما فشلت محاولاتها للدخول في مشروعات السكك الحديدية وشراء العربات الكهربائية وكهربـة خط قطار طهران- مشهد.
خلفية التعاون العسكري بين إيران والصين
في عقدي الثمانينيات والتسعينيات، اشترت إيران صواريخ كروز مضادة للسفن من الصين، ثم قامت بإنتاج صواريخ "نور" و"نصر" و"كوثر" عبر الهندسة العكسية استنادًا إلى تلك النماذج الصينية.
وبحسب معهد السلام الأميركي، فإنّ الفترة من عام 1991 إلى 1994 شهدت ذروة واردات الأسلحة الصينية إلى إيران. كما أشار التقرير إلى أنّه في عام 2010 تم افتتاح خط إنتاج صاروخ "نصر-1" ذي الأصل الصيني في إيران، لكن الصين انسحبت من المشروع مع بدء عقوبات الأمم المتحدة.
وتفيد الدراسات البحثية بأنه منذ عام 2015 لم تُسجّل أيّ صفقات بيع أسلحة صينية لإيران، ويبدو أن التعاون العسكري بين الجانبين اقتصر على توريد قطع الغيار والمواد الكيميائية والمعدات ذات الاستخدام المزدوج والتكنولوجيا، دون أي نقل واسع للأسلحة أو المنظومات الكبرى.