"الزناد" الذي أُطلق على إيران

بعد أسابيع وربما شهور من التعليق والقلق في الرأي العام، أخيرًا تم تفعيل "آلية الزناد" ضد إيران، بعدما رفض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار المقترح من روسيا والصين بتمديد تعليقها لمدة 6 أشهر.
بعد أسابيع وربما شهور من التعليق والقلق في الرأي العام، أخيرًا تم تفعيل "آلية الزناد" ضد إيران، بعدما رفض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار المقترح من روسيا والصين بتمديد تعليقها لمدة 6 أشهر.
وبهذا، تُعاد مرة أخرى مجموعة من عقوبات مجلس الأمن عمليًا، والتي كانت مُعلَّقة لمدة عشر سنوات، لتُفعّل مجددًا ضد طهران.
والعقوبات التي يشملها ذلك: حظر التكنولوجيا النووية (بما في ذلك تخصيب اليورانيوم وبناء وتطوير المفاعل المائي الثقيل)، حظر استيراد أو تصدير المعدات والمواد والتقنيات الحساسة المرتبطة بالبرنامج النووي، حظر استيراد وتصدير الأسلحة التقليدية (الأسلحة الخفيفة والثقيلة)، قيود متعلقة بالصواريخ الباليستية، حجز الأصول وتجميد حسابات الأفراد والكيانات المرتبطة بالبرامج النووية أو الصاروخية، قيود مشددة على المعاملات المصرفية والاستثمارات الأجنبية في القطاعات الحساسة، تفتيش إجباري للشحنات المشبوهة في طريقها إلى إيران (السفن والطائرات)، وحظر خدمات التأمين والدعم للسفن الحاملة لشحنات ذات صلة.
نقطة تحول جديدة لإيران
عودة عقوبات مجلس الأمن المعلقة لا تقع تبعاتها على النظام الإيراني فحسب، بل تدفع إيران بأسرها إلى مرحلة جديدة.
وإيران اليوم، بطبيعة الحال، ليست هي إيران قبل الاتفاق النووي 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة)، فهي مختلفة تمامًا عن إيران التي تكبّدت سلسلة قرارات وعقوبات منذ 2006.
وهناك اختلاف بارز يتعلق بالوضع الاقتصادي وعائدات النفط اليوم مقارنة بعهد الرئيس الأسبق، أحمدي نجاد؛ حيث كان إجمالي عائدات النفط خلال ثماني سنوات للحكومتين التاسعة والعاشرة يُقدَّر بنحو 600 إلى 700 مليار دولار.
ومن البديهي أن إجمالي عائدات النفط والغاز والبتروكيماويات لإيران الآن، بسبب عقوبات الولايات المتحدة وقيود طهران على المبيعات، يبعد بفارق ملموس عن وضعه قبل عقدين.
وهذا الوضع أدى أيضًا إلى انخفاض حاد في قيمة التومان مقارنة بفترة ما قبل الاتفاق النووي. فقد ارتفع سعر الدولار في السوق الحرة من نحو ألف تومان في بداية التسعينيات (العقد 90) ليتجاوز 110 آلاف تومان الآن.
وستجعل عقوبات مجلس الأمن أيضًا المعاملات بالدولار وتحويل رؤوس الأموال أكثر صعوبة. كما سترفع شركات التأمين والناقلات البحرية من مستوى المخاطرة عند التعامل مع إيران، وهو ما يعني ارتفاع تكاليف التصدير والاستيراد، وزيادة أسعار السلع الوسيطة وقطع الغيار الصناعية.
كل هذا يحدث بينما معدلات التضخم السنوي تجاوزت 35 في المائة، ومعدل التضخم من نقطة إلى نقطة تجاوز 40 في المائة.
ولا شك أن الظروف الاقتصادية، المرتبطة بأزمات في تأمين الطاقة والمياه، واتساع ارتفاع أسعار السلع الأساسية، سيزيد من معاناة شريحة كبيرة من المجتمع، خصوصًا أصحاب الرواتب والمستخدمين والمتقاعدين والفئات المحرومة.
عودة العقوبات في سياق ما بعد الحرب
ما يعقّد وضع إيران أكثر هو عودة العقوبات الجديدة في سياق ما بعد الحرب التي استمرت 12 يومًا. حرب، رغم أنها تبدو أنها توقّفت عند وقف إطلاق النار، لكنها ليست سوى توقف مؤقت للصراع.
وقبل أيام قليلة قال نتنياهو أمام قادة الجيش الإسرائيلي: "يجب تدمير محور الشر الإيراني. هذا الهدف في متناول اليد، وسيكون مهمتنا في العام الجديد".
كما تحدث خامنئي في أحدث خطاب له من مخبئه عن "انغلاق باب المفاوضات مع أميركا" وأكد استمرار دعم طهران لحزب الله.
وهاتان الرؤيتان، إلى جانب استمرار إطلاق الحوثيين للصواريخ على إسرائيل، ونشر معلومات جديدة عن بناء منشآت صاروخية تحت الأرض في اليمن، تزيدان من تعقيد المشهد الأمني الإيراني وغموض الآفاق.
ومن الصعب أن نكون متفائلين بشأن استمرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران حتى على المدى المتوسط. هذا يعني استمرار ظل كبير من انعدام الأمن والخوف من تجدد الاشتباك العسكري في المجالين الاجتماعي والاقتصادي داخل إيران.
وسيكون هروب رؤوس الأموال والمواهب من البلاد، ركود الإنتاج، تفاقم الأسعار، الفقر، البطالة، والفجوات الطبقية من النتائج الأكثر وضوحًا لهذه الظروف.
وفي مثل هذا السياق، يصبح مستقبل الصمود الاجتماعي وردود فعل غالبية الإيرانيين والغضب تجاه النظام أكثرَ غموضًا وإرباكًا.
وسيجعل ترابط الضغوط الخارجية المتمثلة بالعقوبات، مع الاستياء المتعمق في طبقات المجتمع المختلفة، آفاق التطورات السياسية في إيران أكثر قتامة، خاصة أن النظام لم يُظهر عزيمة على تغييرات هيكلية داخلية، أو تحول جذري في سياساته النووية والصاروخية والإقليمية والدولية.
الكرة في ملعب إيران
مع إضفاء الطابع الرسمي على "آلية الزناد"، ورفض مشروع القرار المقترح من روسيا والصين في مجلس الأمن، باتت الكرة الآن في ملعب إيران.. ليس فقط النظام السياسي، بل السلطة والمجتمع معًا.
وقد يزيد رد الفعل الإيراني، وخصوصًا تغيّر علاقات طهران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من حساسية إسرائيل والولايات المتحدة تجاه الأنشطة النووية في إيران، وقد يدفع سريعًا نحو ذروة هجوم عسكري جديد.
وصرّح بعض المسؤولين الإيرانيين، في الأيام الماضية، بأنهم قد يقطعون التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حال عودة العقوبات، وإذا تحقق هذا التهديد، سيرتفع مستوى التوتر مع الغرب.
وقد يزيد استمرار وتوسع الأنشطة الصاروخية الإيرانية من تعقيد الوضع وتدهوره، ويشكّل ذريعة لهجوم إسرائيلي جديد.
وكذلك، استمرار هجمات الحوثيين على إسرائيل أو أعمال حزب الله اللبناني وغيره من القوى شبه العسكرية والوكيلة للحرس الثوري في المنطقة، يجعل آفاق وقف النار قاتمة ويُشوّش على الأمن الهش الحالي لدى شعب إيران.
وبعيدًا عن هذه الساحات الثلاث الاستراتيجية، تشكّل طريقة تعامل النظام مع المعارضين والنقاد، وخاصة تجمعات المواطنين الغاضبين والاحتجاجات المحتملة في الشوارع، عاملاً مهمًا آخر في مسار التحوّلات القادمة.
ومن هذا المنظور، حجم الاحتجاجات المحتملة، ونوعية وكمية عصيان المدني لدى المعارضين والمطالبين بالتغيير (الذي ينبع من دوافع متعددة)، سيكون له أثر فريد وموقع استراتيجي في واقع البلاد.
وبعيدًا عن ذلك، هناك حقيقة لا يمكن تجاهلها، تتعلق بالدور الخاص لكيفية المواجهة بين إسرائيل وإيران. كيف ومتى ستتصرف حكومة نتنياهو في سبيل استهداف مسؤولين حكوميين أو منشآت نووية وصاروخية وعسكرية لإيران أو شن هجوم جديد عليها، وهو الأمر الذي أصبح عنصرًا خاصًا وغير مسبوق.
والواقع أن إيران تقف اليوم عند مفترق تاريخي، مفترق قد يؤدي، إن لم يُفضِ إلى انتقال نحو الديمقراطية، إلى صحراء حارقة أو إلى هاوية مرعبة.