القادة الذين أمضوا سنوات في التفاخر ضد إسرائيل لم يصمدوا سوى ثوانٍ معدودة أمامها.
مع ذلك، حذّر نوّاب هؤلاء القادة يوم الأحد، 21 سبتمبر (أيلول)، في بيانات رسمية، من أنه في حال وقوع أي "خطأ في الحسابات" من قبل العدو، سيكون الرد "قاتلاً ومعتبرًا".
لكن السؤال الأساسي هنا: هل يمكن أخذ هذه التفاخرات على محمل الجد، في حين أن القادة السابقين سقطوا أمام أول هجوم؟
ومن الروايات المنشورة، تبرز قصة مقتل قائد قوة الفضاء الجوي في الحرس الثوري، أمير علي حاجي زاده، الذي يبدو أنه استهدف من قِبل الطائرات الإسرائيلية عندما حاول الخروج من مقره تحت الأرض. وقد قامت إسرائيل عن قصد بضبط أنظمة الملاحة لطائراتها بحيث يتمكن رادار الحرس الثوري من اكتشافها، ليعتقد القائد أنه يمكنه العودة إلى المخبأ بأمان، وهو ما كان مجرد فخ لاستهدافه بدقة.
وفي مثل هذه الظروف، حاول المرشد الإيراني، علي خامنئي، وقادة الحرس الثوري تصوير الهزيمة على أنها انتصار. وعلى الرغم من تدمير المنشآت النووية وانهيار أنظمة الدفاع الجوي ومقتل القادة الرئيسين، فإنهم لجأوا إلى ترويج "نصر زائف" وادعوا التفوق على إسرائيل، وهو ادعاء يبدو أنهم بدأوا في تصديقه مع تكراره المستمر.
الحروب غير المرغوبة ونتائج السياسات الخاطئة
الآن، إيران على أعتاب حرب ثالثة؛ الأولى كانت مع العراق، والتي نتجت عن إضعاف الجيش وقرارات كارثية بعد الثورة، والثانية كانت الحرب الأخيرة مع إسرائيل التي دامت 12 يومًا، والآن تتحرك طهران بسرعة نحو حرب شاملة محتملة، وهذه المرة قد تكون بمشاركة أوروبا وحلف الناتو.
ويزيد سلوك القادة الإيرانيين الأخير من هذه المخاوف، إذ يفتخرون بالوقوف ضد "الناتو" والولايات المتحدة والدول الأوروبية. هذه التفاخرات وخلق الأعداء على نطاق واسع ليست فخرًا، بل هي دليل على سوء التخطيط في السياسة الدولية.
وضع إيران في مواجهة جبهة تتكون من أقوى الجيوش والاقتصادات في العالم، أي الولايات المتحدة وإسرائيل و32 دولة عضوًا في "الناتو"، يظهر ضعف الدبلوماسية وسوء إدارة السياسة الخارجية. فهل فكر المسؤولون في النظام الإيراني فعلًا بعواقب هذه المواجهة؟
إذا رغب قادة الحرس الثوري في ما يسمونه "الشهادة"، فهذا قرار شخصي، لكن ليس لهم الحق في التضحية بالبلد والشعب الإيراني لتحقيق ذلك.
الانهيار الاقتصادي: ثمن الحرب والعقوبات
مع عودة العقوبات، دخلت إيران مرحلة جديدة من الأزمة الاقتصادية. خلال أيام قليلة، تجاوز سعر الدولار حاجز 106 آلاف تومان، ويشير الخبراء إلى أنه قد يصل حتى 200 ألف تومان إذا تصاعدت الأزمة. هذا الارتفاع سيزيد التضخم بشكل كبير.
التضخم يُقدّر حاليًا بين 50 و60 في المائة، لكن الأسعار الفعلية للسلع الغذائية والضرورية وصلت إلى 90- 100 في المائة. وصل سعر اللحوم الحمراء إلى أكثر من مليون تومان للكيلو، وانخفض الاستهلاك السنوي للفرد إلى أقل من ستة كيلوغرامات. وارتفعت أسعار البيض والأرز والحبوب وغيرها من السلع الأساسية بشكل غير مسبوق.
إلى جانب ذلك، يتزايد عجز الميزانية في إيران يوميًا، وتتراجع مصادر الدخل، خاصة النفط والعملات الأجنبية، بشكل حاد. ولم تعد الحكومة قادرة على دفع مستحقات الفلاحين والمتقاعدين وموظفي الدولة في موعدها.
وفي هذه الظروف، تزيد سياسة مواجهة الغرب من تفاقم الانهيار الاقتصادي. فإيران اليوم ليست فقط في مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل، بل أيضًا أمام العالم الغربي و"الناتو" والاقتصاد العالمي، مما يحوّل البلاد إلى معسكر معزول ومفروض عليه العقوبات ويواجه خطر الانهيار.
ويُعد الفقر والبطالة والهجرة والفساد وتعاطي المخدرات وانخفاض الإنتاج الداخلي وانخفاض مستوى الرفاه العام هي النتائج المباشرة لهذا المسار. بلد كان من المفترض أن يكون مركزًا حضاريًا وتنمويًا أصبح مكانًا يضطر فيه الناس للبحث عن عمل في الدول المجاورة لتأمين متطلبات حياتهم.
وفي المقابل، النخبة الحاكمة المتمثلة بخامنئي وقادة الحرس الثوري والمحيطين بهم ليست مسؤولة، وتستمر في إصدار بيانات استعراضية، وتكرار شعارات مبتذلة تنكر واقع المجتمع.
بلد يُصبح إعلان موعد صرف رواتب المتقاعدين "خبرًا مهمًا" فيه، يظهر بوضوح أنه على طريق الانهيار.
وبينما يعاني الناس لتلبية احتياجاتهم الأساسية، تُهدر مليارات التومانات في ملفات فساد وسوء إدارة، ويتخذ المسؤولون قرارات تقود البلاد إلى حافة الهاوية. واستمرار هذا النهج يعني تعمق الأزمات، وزيادة خطر الحرب، وتوسع الفقر والفوضى.
والحل لا يكمن في تعديل السياسات، بل في تغيير هذا النظام، الذي أثبت أنه غير قابل للإصلاح، واستمراره يعني تهديد حياة إيران والإيرانيين.