لكن هذا القرار يكشف ازدواج المعايير الذي يمارسه الساسة الإيرانيون الذين يهاجون الولايات المتحدة ليل نهار في العلن، ثم يحرصون على شراء كل ما لذ وطاب منها أثناء زيارتهم لها، بل ويرسلون أولادهم للتعلم والدراسة والعمل في أميركا.
هذ الازدواجية ليست وليدة اليوم، ففي أبريل (نيسان) 2021 قال الوزير الإيراني الأسبق، محمد غرضي لوكالة أنباء "إيلنا" إن "5 آلاف من أبناء مسؤولي إيران يعيشون في الولايات المتحدة". وأضاف: "قد أخذوا دولارات الناس ويعتقدون أنهم يعيشون، لكنني متأكد من أنهم سيحملون إذلال الدنيا والآخرة معهم ومع آبائهم".
وكالة "اسوشيتد برس" ذكرت يوم الاثنين 11 سبتمبر/أيلول الجاري أن مكتب البعثات الخارجية التابع لوزارة الخارجية الأميركية قال في إشعارات إن العضويات الدبلوماسية في متاجر الجملة، فضلا عن قدرة الدبلوماسيين على شراء سلع مثل الساعات والفراء والمجوهرات وحقائب اليد والمحافظ والعطور والتبغ والكحول والسيارات، تعتبر "امتيازات" تتطلب موافقة الحكومة الأميركية.
ومع ذلك، فإن الدولة الوحيدة التي تم استهداف دبلوماسييها على وجه التحديد هي إيران.
وتعد المتاجر مثل "كوستكو" من المتاجر المفضلة لدى الدبلوماسيين الإيرانيين المقيمين في نيويورك أو الزائرين لها، حيث يمكنهم شراء كميات كبيرة من المنتجات التي لا تتوفر في بلدهم الخاضع للعقوبات بأسعار رخيصة نسبيًا وشحنها إلى إيران.
وتقول القرارات، التي نشرت على الإنترنت، إن الدبلوماسيين الإيرانيين وأقاربهم يجب أن "يحصلوا على موافقة من وزارة الخارجية قبل الحصول على العضوية أو الحفاظ عليها في أي متجر بيع بالجملة في الولايات المتحدة، بما في ذلك كوستكو، أو سامز كلوب، أو بيز كلوب، وقبل شراء سلع من مثل هذه المتاجر بالجملة بأي شكل من الأشكال".
وقال كليفتون سيجروس، مدير مكتب البعثات الخارجية بوزارة الخارجية الأميركية، إن الدبلوماسيين الإيرانيين في الولايات المتحدة يجب أن يحصلوا على تصريح لشراء سلع فاخرة تبلغ قيمتها أكثر من ألف دولار ومركبات تبلغ قيمتها أكثر من 60 ألف دولار.
وتشمل العناصر التي تُعرف بأنها "سلع فاخرة" الساعات والملابس الجلدية والإكسسوارات والملابس الحريرية والإكسسوارات والأحذية والفراء والفراء الصناعي وحقائب اليد والمحافظ والأقلام ومستحضرات التجميل والعطور ومعطرات المراحيض والأعمال الفنية والتحف والسجاد والبسط والمفروشات واللؤلؤ والمجوهرات والأحجار الكريمة وشبه الكريمة أو المجوهرات التي تحتوي عليها والمعادن الثمينة والإلكترونيات والأجهزة المنزلية والسلع الرياضية الترفيهية والآلات الموسيقية والسجائر والسيجار والنبيذ والمشروبات الروحية والبيرة.
هذا التسوق الذي يحرص عليه الساسة الإيرانيون بآلاف الدولارات يأتي في حين أنه فقًا للقرارات الإدارية لعام 2025، سيكون الحد الأدنى للراتب الشهري للموظفين في القطاع الحكومي والعام في إيران حوالي 12 مليون تومان (حوالي 140 دولارا).
ولا يقتصر اهتمام المسؤولين الإيرانيين بأميركا على التسوق، بل يمتد لأرسال أبنائهم للتعلم والدراسة في الولايات المتحدة, رغم أن القانون الإيراني يحظر تعيين المسؤولين الذين لديهم زوجات أو أنباء يحملون جنسيات أجنبية في الوظائف الحساسة.
وأثيرت هذه القضية عقب تعيين وزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف في منصب مساعد لرئيس الإيراني، حيث أثار المحافظون قضية حصول أبنائه على الجنسية الأميركية، وهو مما دفع البرلمان إلى مناقشة إجراء تعديلات على قانون "تعيين الأشخاص في الوظائف الحساسة" واستثناء الزوجة والأبناء من أحكام هذا القانون.
وقد سعت حكومة مسعود بزشكيان منذ بداية عملها إلى تغيير هذا القانون. وفي جلسة البرلمان الإيراني العلنية يوم 17 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، طرح مجيد أنصاري، مساعد رئيس الحكومة للشؤون القانونية، طلبًا بإعطاء الأولوية لمشروع تعديل قانون "تعيين الأشخاص في الوظائف الحساسة"، لكن هذا الاقتراح رُفض بعد معارضة 207 أصوات.
يذكر أن ابن وابنة ظريف وُلدا أثناء إقامته في الولايات المتحدة الأميركية.
وبحسب القانون، لا يمكن لظريف العمل في مناصب حساسة بسبب الجنسية الأميركية لأبنائه.
ومع ذلك، في 1 أغسطس (آب) 2024، بعد وقت قصير من تولي بزشكيان رئاسة إيران، عيّن ظريف كـ"مساعد لرئيس الجمهورية للشؤون الاستراتيجية".
وفي 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أكدت فاطمة مهاجراني، المتحدثة باسم الحكومة، أن وجود محمد جواد ظريف كـ"شخصية خبيرة" في المجال الدولي والسياسة الخارجية يمثل "قيمة" للبلاد والحكومة، معتبرة أن قانون تعيين الأشخاص في الوظائف الحساسة هو "اغتيال للكفاءات الوطنية".
وقد استحدث بزشكيان منصب "المساعد الاستراتيجي لرئيس الجمهورية" لتعيين ظريف فيه.
وظريف، الذي شغل منصب وزير الخارجية بين عامي 2013 و2021 في عهد الرئيس السابق حسن روحاني، كان شخصية بارزة قريبة من الإصلاحيين، بدون انتماء صريح لأي جناح سياسي. وكان له دور محوري في الحملة الانتخابية لبزشكيان، وساهم بشكل كبير في فوزه بالانتخابات الرئاسية.
وفي 3 مارس (آذار) الماضي أفادت وسائل إعلام إيرانية، باستقالة محمد جواد ظريف من منصبه كمساعد للرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية.
كما أثارت الزيارات التي يقوم بها المسؤولون الإيرانيون لأميركا للمشاركة في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة انتقادات حادة لاصطحابهم أقاربهم ومعارفهم خلالها.
ففي سبتمبر (أيلول) الماضي أفادت مواقع إخبارية بأن الرئيس الإيراني، مسعود بزشكیان اصطحب نحو 40 مرافقًا خلال رحلته إلى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، من بينهم ابناه وابنته وصهره. بالإضافة إلى بعض أصدقائه.
ولم تقتصر الضجة الإعلامية حول مرافقة أبناء المسؤولين على بزشكیان. ففي 27 أغسطس (آب) 2024، حضر محمد رضا عارف مراسم تنصيب محمد أتابك وزيرًا للصناعة والتعدين والتجارة، وظهرت صورة لابنه الأكبر حميد رضا عارف في الحدث، ما أثار انتقادات واسعة خاصة مع منع الصحفيين من الحضور.
وخلال آخر رحلة للرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد إلى نيويورك عام 2012، رافقه نحو 140 شخصًا، وتبين أن العديد منهم كانوا من عائلات وأقارب المسؤولين الحكوميين.