وفقًا لمنظمة الصحّة العالمية، بلغ معدل الانتحار العمري المُعدّل في إيران حوالي 5.13 لكل 100,000 نسمة (وفق بيانات عام 2020)، وهو ما وضَع إيران في المرتبة 140 عالميًا بين جميع الدول وفقًا لهذا المؤشر.
لكن وفق الأرقام الرسمية، فإن معدلات الانتحار في إيران ارتفعت بأكثر من 40 في المائة خلال العقد الماضي. وبين مارس (آذار) 2022 ومارس 2023، بلغ عدد حالات الانتحار 7.4 حالة لكل 100 ألف شخص، وهو ما يعادل أكثر من 6000 حالة انتحار أدت إلى الوفاة في تلك الفترة.
وأفاد موقع "حال ووش" الذي يغطي أخبار إقليم بلوشستان، يوم الاثنين 8 سبتمبر (أيلول) 2025، أن رضا قلندري، المزارع البلوشي من قرية لَنك آباد كهَنوج بمحافظة كرمان، انتحر وتوفي احتجاجًا على الضغوط المعيشية والمشكلات الناجمة عن الغرامات والحرمان من الحصول على الوقود.
وكما أفاد الموقع أن أكرم شيري، الطبيب المتخصص في الأمراض الباطنية في مستشفى إيرانمهر سراوان بمحافظة بلوشستان وخريج جامعة أهواز للعلوم الطبية، أنهى حياته في سكن الاستراحة.
وبحسب هذا التقرير، فقد اعتبر زملاء هذا الطبيب والمقربون منه الضغوط المهنية الثقيلة والظروف المرهقة للعمل في مستشفى "إيرانمهر" السبب الرئيسي لهذه الحادثة.
وتحول موضوع انتحار الأطباء والأطباء المتدربين في إيران خلال السنوات الأخيرة إلى أزمة في النظام الصحي.
ففي عام 2024 أنهى ما لا يقل عن 16 طبيبًا متدرباً حياتهم بالانتحار.
ويعد الإرهاق الوظيفي الناجم عن نقص الكوادر وساعات العمل الطويلة، والضغوط الاقتصادية، وانخفاض الرواتب، وتأخر المدفوعات، وغياب آليات دعم نفسي منتظمة، من أهم الدوافع وراء ارتفاع حالات الانتحار بين الكوادر الطبية في إيران.
ففي أبريل (نيسان) الماضي، مُنعت وسائل الإعلام والجامعات الطبية من نشر أخبار انتحار الكوادر الطبية، وطُلب منها إعلان أسباب هذه الوفيات على أنها نوبات قلبية وما شابه.
كما أفاد حساب "الطلاب المتحدون" على "تلغرام" أن طالبة جامعية أقدمت مساء الأحد 7 سبتمبر (أيلول) على الانتحار في سكن جامعة محقق أردبيلي.
وبحسب هذا التقرير، فإن هذه هي ثالث حالة انتحار بين طلاب جامعة محقق أردبيلي خلال عام واحد، ما زاد المخاوف بشأن الصحة النفسية للطلاب وأجواء الجامعة.
وكتب حساب "الطلاب المتحدون" في تقريره أن الأجواء الأمنية السائدة في الجامعة، والتهديدات، والفبركات التأديبية، والضغوط المنهجية من جهاز الأمن في الجامعة، من بين العوامل التي يُقال إنها لعبت دورًا مباشرًا في بروز موجة الانتحار هذه.
معدلات عالية
وفي سبتمبر (أيلول) 2024 كشف المتحدث باسم الشرطة الإيرانية، سعيد منتظر المهدي، أن أكثر من 4 آلاف شخص يموتون سنويًا في إيران، بعد إقدامهم على الانتحار.
ووفقًا لتقرير مؤشرات العدالة الاجتماعية، تم تسجيل أكثر من 40 ألف حالة وفاة بسبب الانتحار خلال 10 سنوات.
وبحسب هذا التقرير، فإن 4183 شخصًا تقريبًا فقدوا حياتهم سنويًا في إيران، بسبب الانتحار، خلال السنوات من 2016 إلى 2020.
وأشار منتظر المهدي إلى أسباب متنوعة تؤدي إلى الانتحار، منها اضطرابات نفسية كالاكتئاب، وعدم القدرة على مواجهة الفشل، والمشكلات الاجتماعية والاقتصادية، وحتى الدوافع الانتقامية.
وتشهد إيران في السنوات الأخيرة ارتفاعاً مقلقاً في حالات الانتحار. ولعبت الأزمة الاقتصادية والمعيشية الناتجة عن العقوبات الدولية، دوراً هاماً في زيادة معدلات الانتحار، خصوصاً بين الشباب والفئات الضعيفة في المجتمع.
وسبق وأعلن حميد يعقوبي، رئيس جمعية منع الانتحار في إيران، في فبراير (شباط) الماضي أن معدل الوفيات الناجمة عن الانتحار قد زاد بنسبة 10 في المائة سنويًا خلال السنوات الأربع الماضية.
وحذر يعقوبي بأن معدلات الانتحار في إيران منذ عام 2011 وحتى الآن قد اتخذت اتجاهًا تصاعديًا، حيث ارتفعت من 4.7 في المائة إلى 8.1 في المائة في عام 2022 وإلى 8.9 في المائة في عام 2023.
الانتحار حل للأزمات
ولم يعد كثير من الإيرانيين يجدون مخرجاً من الضغوط الاقتصادية والأزمة المعيشية، ويختارون الانتحار حلاً أخيراً، كما يقول الناشطون.
ووفقاً للتقارير الرسمية، تُعد العوامل الاقتصادية أحد أهم أسباب الانتحار في إيران. وقال نائب رئيس اللجنة الاجتماعية في البرلمان الإيراني: "الضغوط الاقتصادية والبطالة هي من أهم أسباب ظهور الاكتئاب، وزيادة معدلات الانتحار في البلاد".
وجرى الإبلاغ عن معظم حالات الانتحار بين الشباب والمراهقين. ويُعد تراجع سن الانتحار، خصوصاً بين الطلاب والمراهقين، مثيراً للقلق. كما أن العمال وأصحاب المهن ذات الدخل المنخفض هم الأكثر تضرراً.
وتشير الدراسات إلى أن العمال والعاطلين عن العمل والشباب الخريجين من مختلف التخصصات هم الأكثر تضرراً من هذه الأزمة الاقتصادية. ووفقاً لتقرير مركز الإحصاء الإيراني بين مارس (آذار) 2022 ومارس 2023، "بلغ معدل البطالة بين الشباب 29 في المائة".
كما يواجه عمال البناء والمهن غير الرسمية مخاطر كبيرة في هذه الظروف الحرجة، حيث إن كثيراً منهم أكثر عُرضة للمشكلات الاقتصادية بسبب عدم وجود تأمين ودعم اجتماعي.
في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قال حميد بيروي، نائب رئيس جمعية الوقاية من الانتحار في إيران، في حوار نشره موقع "تجارت نيوز" إن "هناك عوامل مختلفة تؤثر في رغبة الأشخاص في الانتحار، بدءاً من القضايا الاقتصادية، وصولاً إلى الاضطرابات النفسية".
وأضاف بيروي: "حاول نحو 120 ألف شخص الانتحار (بين عامي 2022 - 2023)، وسجلت هذه الحالات رسمياً في نظام وزارة الصحة".
وأوضح: "مقابل كل حالة انتحار كاملة (تؤدي إلى الوفاة)، هناك نحو 20 إلى 30 محاولة انتحار".
ويقول خبراء إيرانيون إن الأزمات الاقتصادية لا تؤثر فقط على الحالة المالية للناس، بل تؤثر أيضاً على صحتهم النفسية. زيادة القلق والاكتئاب والشعور باليأس بين الشباب، خصوصاً في الظروف الحالية، واضحة للعيان.
ومع زيادة حالات الاكتئاب والمشكلات النفسية في البلاد بسبب الضغوط الاقتصادية، يواجه كثير من الإيرانيين صعوبة في الوصول إلى خدمات العلاج النفسي.
أسباب زيادة معدلات الانتحار
وتحدثت صبا آلاله، محللة نفسية اجتماعية وسياسية، في مقابلة مع "إيران إنترناشيونال" في أبريل (نيسان) الماضي عن أسباب زيادة معدلات الانتحار في إيران، وأشارت إلى غياب الأمل في المستقبل في المجتمع، قائلة: "في السنوات الأخيرة، مع زيادة عدم المساواة الاجتماعية والسياسية، ارتفعت معدلات الانتحار أيضًا".
وشددت آلاله على أنه لا ينبغي النظر إلى الانتحار على أنه قضية "فردية، داخلية وخاصة بشخص واحد"، مضيفة: "صحة الفرد النفسية مرتبطة بشكل كبير بصحة المجتمع النفسي وكل الهياكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية. كل هذه الأمور يمكن أن تؤدي إلى مشكلات تؤدي إلى زيادة حالات الانتحار".
وحذرت قائلة: "المجتمع الذي يحدث فيه عدم المساواة لديه علاقة وثيقة بمسألة الحافز والتقدم والأمل. كلما زادت عدم المساواة في مجتمع ما، قل مستوى الأمل والحافز والتقدم في ذلك المجتمع".