الدول الأوروبية اشترطت على إيران ثلاثة أمور يمكن أن تؤدي إلى تأجيل مؤقت في إعادة العقوبات وفتح مجال جديد للتفاوض، وهي:
1.السماح لمفتشي الأمم المتحدة بالدخول إلى المواقع النووية التي تضررت في الهجمات الإسرائيلية.
2.تقديم توضيحات بشأن وضع مخزونات اليورانيوم المخصب.
3.بدء محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة.
عقب انتهاء حرب الـ12 يوما في يونيو (حزيران) الماضي قرر البرلمان الإيراني في يوليو (تموز) تعليق التعاون مع الوكالة الذرية، وأقر الرئيس الإيراني القانون الذي اشترط موافقة مجلس الأمن القومي الإيراني على إعادة التعاون مع الوكالة الذرية.
ومع تزايد الضغوط تراجعت طهران وسمحت لوفد فني من الوكالة بزيارة مفاعل بوشهر النووي فقط، وهو موقع لا يمثل أي قلق للوكالة التي طالبت بزيارة باقي المواقع النووية، ومعرفة مصير اليورانيوم المخصب بأكثر من 60 بالمائة.
لكن مع إصرار طهران على مواقفها فعّلت بريطانيا وفرنسا وألمانيا آلية إعادة العقوبات بموجب القرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن في 28 أغسطس (آب).
تولى لاريجاني المسؤولية والمفاوضات مع واشنطن
ومع انتقال التهديد الأوروبي إلى حيز الفعل بدأت لغة طهران في التراجع التدريجي، وربط مراقبون ذلك بالتغيرات التي حصلت في القيادات الإيرانية بعد الحرب وعقب اغتيال عدد كبير من المسؤولين الإيرانيين، وإلى تولي علي لاريجاني منصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي.
الدبلوماسي الإيراني السابق، علي رضا شيخ عطار، قال إن الملف النووي الإيراني أُخذ من علي شمخاني، مستشار خامنئي، وتم تسليمه إلى علي لاريجاني.
وأضاف: "كشاهد أستطيع القول إن لاريجاني أجرى مفاوضات جيدة سابقًا".
صحيفة "الجريدة" الكويتية نقلت في تقرير بتاريخ 8 سبتمبر (أيلول) عن مصدر رفيع المستوى في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، أن لاريجاني، أصبح رسمياً المسؤول عن إدارة الملف النووي والمفاوضات مع الغرب، بدلاً من علي شمخاني الأمين العام السابق للمجلس، مضيفاً أن لاريجاني المحسوب على المحافظين الوسطيين، يدفع باتجاه مفاوضات مباشرة مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وحسب المصدر، بموجب هذا الترتيب، ستقوم وزارة الخارجية التي تتولى المفاوضات تنفيذياً، بتنسيق قراراتها مع لاريجاني الذي بات المسؤول المباشر عن كل الملفات الخارجية، في حين سيتولى شمخاني الإشراف على إعادة بناء المنظومة العسكرية والأمنية في مجلس الدفاع الأعلى، وتجهيز البلاد لأي مواجهة عسكرية مستقبلية.
ولفت المصدر إلى أن هذا القرار يعني عملياً حسم الخلاف المتواصل منذ اغتيال الجنرال قاسم سليماني في عام 2020، بين "الخارجية" والحرس الثوري، حول الطرف المسؤول عن الملف النووي.
وأوضح أن أول قرار للاريجاني بعد توليه الملف، هو طلبه من وزير الخارجية عباس عراقجي إجراء اتصالات مع الأميركيين والأوروبيين لعقد اجتماعات تفاوضية، كاشفاً أن اللقاء بين عراقجي ومسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الاوروبي كايا كالاس في الدوحة مساء الخميس الماضي كان تحت إشراف لاريجاني.
كما قالت عدة مصادر مطلعة لقناة "إيران إنترناشيونال" إن المرشد الإيراني علي خامنئي طلب من الرئيس مسعود بزشكيان، أن يطلب من أمير قطر التوسط مع الغرب في الملف النووي.
وأكدت وكالة الأنباء القطرية الرسمية أن أمير قطر تلقى يوم الخميس 4 سبتمبر (أيلول) رسالة شفهية من بزشكيان خلال لقائه في الدوحة مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي.
وقالت مصادر مطلعة، طلبت عدم الكشف عن هويتها، لـ"إيران إنترناشيونال" إن هذه الرسالة تضمنت طلباً من الشيخ تميم بن حمد للوساطة بين طهران والقوى الغربية من أجل الحيلولة دون عودة العقوبات وفق الآلية المعروفة بـ"سناب باك".
وأشارت هذه المصادر إلى أن طهران بدأت تُظهر مرونة أكبر بشأن مكان تخزين وإدارة مخزونات اليورانيوم عالي التخصيب، وهو موضوع لم تكن إيران مستعدة لمناقشته بعد الضربات الجوية الأميركية.
صحيفة "آرمان ملي" الإيرانية أشارت بدورها في 9 سبتمبر (أيلول) أن تغيير قيادة الملف النووي الإيراني بعد إقصاء علي شمخاني، يشير إلى نهج جديد يهدف لتجنب تفعيل آلية الزناد والسعي نحو اتفاق جديد مع الغرب.
مرونة طهران
موقع "أمواج ميديا" قال في تقرير يوم الاثنين 8 سبتمبر/أيلول، أن إيران، في تطور جديد، "أعلنت استعدادها الكامل" لتوضيح مصير احتياطياتها من اليورانيوم المخصب، وهي المواد التي قيل إنها دفنت بعد الهجمات الأميركية على منشآت تحت الأرض في يونيو/حزيران.
ويعد هذا المطلب من أبرز المطالب التي تطالب بها الدول الأوروبية والوكالة الذرية، حيث جعلت أوروبا هذه المسألة أحد شروط تأجيل "آلية الزناد"، واقترحت في المقابل تأجيل عودة عقوبات الأمم المتحدة.
وأوضحت "أمواج ميديا" أن "هناك الآن مؤشرات على أن التقدم في تنفيذ الشروط الأوروبية الثلاثة قد يوفر الوقت للدبلوماسية وربما يمنع موجة ثانية من الهجمات الإسرائيلية على إيران".
خطة روسية ومقترح كوري
ونقل الموقع عن مصادر مطلعة إن خطة روسية لتأجيل "آلية الزناد" لمدة ستة أشهر يتم تداولها في مجلس الأمن، وهو ما قد يسمح لإيران بتخفيف ضغط العقوبات وفتح مسار جديد للدبلوماسية.
فيما أفادت وكالة مهر للأنباء، أن كوريا الجنوبية بصفتها الرئيس الحالي لمجلس الأمن المكون من 15 عضوًا، وضعت اللمسات الأخيرة على مشروع قرار من شأنه رفع العقوبات عن إيران بشكل دائم، لكن دبلوماسيين قالوا إنه لم يُحدد موعد التصويت عليه بعد.
وأوضحت أن مشروع قرار مجلس الأمن لرفع العقوبات عن إيران بشكل دائم، يوم الاثنين 8 سبتمبر (أيلول)، يمكن لكوريا الجنوبية الآن طرحه للتصويت في أي وقت قبل انتهاء مهلة الثلاثين يومًا، التي حددتها الدول الأوروبية.
وتشير تقارير إعلامية إلى أن إيران أحرزت تقدمًا في المحادثات الأخيرة مع الاتحاد الأوروبي والوكالة الدولية للطاقة الذرية، مع طرح إمكانية توقيع اتفاق مؤقت لمزيد من التعاون.
لقاءات القاهرة
والتقى وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي مع نظيره المصري بدر عبد العاطي في القاهرة اليوم الثلاثاء 9 سبتمبر (أيلول)، وأجريا محادثات في القاهرة.
وسيلتقي عراقجي في القاهرة، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي، التي علقت طهران التعاون معها، حسب وكالة "إرنا" الرسمية للأنباء.
وأشار المتحدث باسم الخارجية إسماعيل بقائي، في بيان صحافي، إلى أن لقاء عراقجي وغروسي يأتي "من أجل استكمال المفاوضات الخاصة بالصياغة النهائية لآلية جديدة لتنظيم تعامل إيران مع الوكالة".
وقال بقائي، إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعلم أن أسلوب طهران في تنفيذ التزاماتها المتعلقة بالضمانات لا يمكن أن يكون كما كان الحال قبل حرب الـ 12 يومًا، وأنه لم يتم اتخاذ قرار نهائي حتى الآن بشأن الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، وأن القرار النهائي هو "مسؤولية النظام".
وتُجري الوكالة الدولية للطاقة الذرية محادثات مع إيران حول بروتوكول جديد للتعاون بين إيران والوكالة، بما في ذلك تحديد سبل استئناف عمليات التفتيش بشكل كامل في مواقعها النووية الرئيسية عقب القصف الإسرائيلي والأميركي في يونيو (حزيران).
تحذيرات غروسي
وقال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، في الاجتماع الافتتاحي لمجلس محافظي الوكالة الاثنين 8 سبتمبر (أيلول)، إن الفرصة لا تزال قائمة للتعاون النووي مع طهران، ولكن "لم يتبقَ الكثير من الوقت".
وجاء حديثه ردًا على مخاوف طهران من احتمال استخدام إسرائيل والولايات المتحدة لمعلومات الوكالة بشأن مخزونات اليورانيوم المخصّب ووضع المواقع النووية الإيرانية.
وأكد غروسي أن الوكالة "لا تضع أي معلومات في تصرّف أي دولة أخرى"، مضيفًا أن الوكالة تؤمن بالحلول الدبلوماسية لا باستخدام القوة. وأوضح أن "استئناف عمليات التفتيش في المواقع النووية الإيرانية يمكن أن يبدّد شبح أي هجمات عسكرية".
وبشأن الوضع بعد الضربات التي تعرّضت لها إيران، أشار غروسي إلى أن الوكالة بحاجة للوصول إلى المواقع التي استُهدفت بالقصف، وأن عودة عمليات التفتيش إلى مسارها الطبيعي أمر ضروري.
وخلال المؤتمر الصحافي الذي أعقب اجتماع مجلس المحافظين، يوم الاثنين 8 سبتمبر (أيلول)، شدّد المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية مجددًا على أن استئناف عمليات التفتيش من شأنه أن يفتح الباب أمام تقليص احتمالات الضربات العسكرية ضد إيران.