ويأتي هذا التأجيل خصوصًا في ظل التهديدات العلنية من جانب إسرائيل ورئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو، ما قد يُعتبر مؤشرًا على تراجع القوة السياسية والعسكرية لعلي خامنئي.
من اللقاء السنوي إلى الاختباء في الظل
على مدى عقود، كان لقاء 30 أغسطس بين المرشد وأعضاء الحكومة حدثًا رمزيًا في التقويم الإيراني. لكن هذا العام، أُجّل اللقاء بسبب الحسابات الأمنية.
وهذا الأمر يُظهر من جهة حالة التكتّم والخوف من الاغتيال، ومن جهة أخرى يُبرز صورة المرشد كشخص منعزل يختبئ بعيدًا عن الأنظار.
ورغم إدراكه للأوضاع المتأزمة في البلاد، فقد أوصى خامنئي المسؤولين، خلال هذا اللقاء، بعدم الحديث عن "نقاط ضعف النظام"، بل التركيز على "قوته".
ولكن الواقع يكشف عكس ذلك: الخوف والضعف يطغيان على سلوك خامنئي، من خطاباته القصيرة والمفاجئة، إلى لقاءاته السرّية وغير المعلنة.
وهذا التناقض بين القول والفعل يوجّه رسالة واضحة إلى مسؤولي النظام: إنكم في وضع دفاعي شديد.
حالة "اللا حرب واللا سلم".. ارتباك عام
تمر إيران بظروف لا تُبشّر لا بالسلام ولا بالحرب المعلنة؛ لكن تهديد عودة العقوبات الدولية، وخطر الهجوم الإسرائيلي، والأزمات الداخلية كلها حاضرة بقوة.
وعلى الرغم من توصية خامنئي بعدم نقل هذا الواقع إلى الشعب، فإن الحقائق باتت جليّة للجميع: المسؤولون والمواطنون يعيشون في حالة قلق دائم.
خامنئي وتراجع أدوات السلطة
في الماضي، كان المرشد الإيراني، عبر مؤسسات مثل "المجالس العليا" و"هيئة الإشراف على السياسات العامة للنظام"، يُضعف المؤسسات الرسمية ويحتكر السلطة بيده،
أما اليوم، فقد أصاب هذا البناء السياسي نوع من الشلل النصفي بغياب حضوره المباشر. وبات النظام السياسي أقرب إلى "مريض يحتضر"، فيما المسؤولون يتسابقون على كتابة وصفات لإنقاذه.
ويقترح كل تيار سياسي داخل النظام طريقًا مختلفًا للإنقاذ: فبعضهم يدعو إلى التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة (مثل حسن روحاني والإصلاحيين)، وهناك آخرون يصرّون على نهج المقاومة وعدم التراجع (ومنهم خامنئي نفسه).
وهناك من يقترح حلولاً غير مألوفة، مثل احتمال لقاء مسعود بزشكيان مع ترامب في نيويورك. ولكن رد خامنئي كان واحدًا على كل هذه الطروحات: "لا مشكلة بيننا وبين أميركا قابلة للحل".
ويعكس هذا الموقف إصراره على تكرار المسارات الفاشلة وإنكار الحقائق المُرة.
التحولات الميدانية: انهيار الوكلاء والميليشيات
تقلّص الدور، الذي لعبته الميليشيات الموالية لإيران في المنطقة بشكل كبير؛ حيث إن حركة "حماس" ضعُفت في غزة، وأصبح حزب الله مهددًا بنزع سلاحه في لبنان، وسقط بشار الأسد في سوريا، والحشد الشعبي أصبح محدودًا وحذرًا في العراق.
والأخطر من ذلك أن الحرب انتقلت إلى داخل الحدود الإيرانية، حتى إن خامنئي وقادة الحرس الثوري باتوا يعيشون حياة شبه سرّية، فبعدما كانوا يخطبون في كل مكان، أصبحوا اليوم يتنقّلون خفية.
فقدان السيطرة على الشارع
من أبرز مؤشرات تراجع النظام الإيراني، فقدانه السيطرة على الشارع. فحتى عام 2017، كانت الجمهورية الإسلامية قادرة على حشد أنصارها في الشوارع، لكن منذ احتجاجات ديسمبر (كانون الأول) 2017، مرورًا بانتفاضة نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، وصولاً إلى حركة "المرأة، الحياة، الحرية" في سبتمبر (أيلول) 2022، تراجعت هذه القدرة بشكل كبير.
واليوم، الفتيات والنساء يظهرن في الشوارع بلباس اختياري، والنظام، رغم رغبته، عاجز عن مواجهتهن.
ويُعد إلغاء حفلة "همایون شجریان" فجأة، خوفًا من التجمعات واحتمال عجز السلطة عن ضبطها، مثال واضح آخر على فقدان السيطرة على الفضاء العام.
الفضاء الافتراضي: جبهة خاسرة أخرى
في مجال الإنترنت ووسائل التواصل، فشل الحجب المشدد في منع الناس من التواصل مع العالم الخارجي. ورغم أن الحجب يصعّب الوصول، إلا أنه في الواقع انهزم تمامًا.
وبمعنى آخر، تراجع النظام على كل الجبهات: من الشارع إلى الإنترنت.
إحساس عام بالسقوط
لم يعد الشعور بقرب سقوط النظام الإيراني مقتصرًا على المعارضين. بل أصبح هذا الإحساس واضحًا داخل أركان النظام نفسه، فبعضهم ينتظر لحظة الانهيار، وآخرون بدأوا يبحثون عن مخرج لهم ولعائلاتهم.
وانتشار هذا الإحساس العام هو المرحلة الأخيرة قبل السقوط الفعلي للنظام، فالجميع، شعبًا ومسؤولين، يشمّون رائحة النهاية.