والسؤال الأساسي هنا: لماذا لا تملك طهران ملكية الوقود المستهلك في بوشهر، ولماذا تصر موسكو على إعادته إليها؟
في هذا السياق، أعلن محمد إسلامي، رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، في31 أغسطس (آب) أن مفتشَين من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، اللذين زارا إيران للإشراف على تبديل وقود مفاعل بوشهر، غادرا البلاد بعد انتهاء مهمتهما.
وجاءت زيارة مفتشي الوكالة في وقت كان البرلمان الإيراني قد صوّت في24 يونيو (حزيران)، أي بعد يوم واحد من انتهاء حرب الـ12 يومًا، على مشروع قانون يوقف تعاون الحكومة الإيرانية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
لكن لماذا تعتمد إيران على وجود مفتشي الوكالة لتبديل وقود مفاعل بوشهر؟ ولماذا لا تستطيع استخدام اليورانيوم الذي قامت بتخصيبه مرارًا لأسباب مختلفة في هذا المفاعل؟
ما فائدة النفايات النووية؟
الوقود النووي المستهلك، الذي يُعرف عادةً بـ"النفايات"، هو مزيج من مواد ثمينة، وخطيرة في الوقت نفسه، مثل اليورانيوم المتبقي، والبلوتونيوم، وبعض النظائر المفيدة، ونفايات طويلة العمر.
نحو 96 في المائة من الوقود المستهلك لا يزال يورانيوم يمكن إعادة تخصيبه.
البلوتونيوم يمكن استخدامه لإنتاج وقود "موكس" ((MOX، (وهو خليط من أكسيد اليورانيوم والبلوتونيوم) في المفاعلات، وله أيضًا إمكانية الاستخدام في القنابل النووية. ولهذا السبب يخضع إنتاج واستخدام "الموكس" لرقابة صارمة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمنع تحويله لأغراض عسكرية.
أما "السيزيوم-137" و"السترونسيوم-90" فلهما تطبيقات في الطب والصناعة، مثل التصوير الإشعاعي ومعالجة السرطان أو في المولدات الحرارية.
في النهاية، ما يتبقى يُصنَّف كـ"نفايات طويلة العمر" تحتاج إلى تخزين آمن لآلاف السنين.
في دول متقدمة مثل فرنسا واليابان، يُعاد تدوير الوقود المستهلك لاستخراج البلوتونيوم واليورانيوم وإعادة استخدامهما في دورة الطاقة. أما في كثير من الدول، خاصة حديثة العهد بالطاقة النووية، فهذه التكنولوجيا غير متاحة، وتُخزن النفايات فقط في مستودعات مؤقتة.
سياسة روسيا في تصدير الوقود النووي
تطبق روسيا سياسة "التأجير والإرجاع" مع الدول الجديدة في مجال الطاقة النووية. ولهذا النموذج وظيفتان أساسيتان:
1. منع الانتشار النووي عبر حرمان الدول من الوصول إلى البلوتونيوم أو تقنيات إعادة معالجته.
2. ضمان التبعية الفنية والسياسية للدولة المضيفة، حيث تظل بحاجة إلى الوقود الروسي ولا يمكنها تشغيل المفاعل بدونه.
هذه السياسة تُطبّق في مشروعات مثل مفاعل "آق قويُو" بتركيا، و"روبور" في بنغلاديش، و"أسترافتس" في بيلاروسيا. وفي جميع هذه الحالات، تلتزم الدول بإعادة الوقود المستهلك إلى روسيا.
لماذا لا تستطيع إيران تبديل وقود بوشهر بنفسها؟
بدأ مشروع مفاعل بوشهر في السبعينيات على يد ألمانيا الغربية، لكنه توقف بعد ثورة 1979 وحرب إيران والعراق.
وفي أوائل التسعينيات، اتفقت إيران مع روسيا على استكمال المشروع.
وفي عام 2005، نصّ أحد البنود الأساسية في العقد بين طهران وموسكو على أن شركة الوقود الروسية (TVEL) هي التي تزوّد المفاعل بالوقود الجديد، وأن كل الوقود المستهلك يُعاد إلى روسيا.
المنظمة البيئية "بلونا" نشرت في2003 تقريرًا قالت فيه إن العقد يتضمن "إعادة مضمونة للوقود المستهلك"، وذلك لمنع أي إعادة معالجة إيرانية تهدف إلى إنتاج البلوتونيوم.
السبب واضح: الوقود المستهلك يحتوي على بلوتونيوم يمكن، بعد فصله كيميائيًا، استخدامه في قنبلة نووية.
الولايات المتحدة والدول الأوروبية حذّرت مرارًا من أن بقاء هذا الوقود في إيران قد يفتح الطريق لبرنامج تسلح يعتمد على البلوتونيوم.
وبناءً على ذلك، وافقت طهران على عدم إعادة معالجة هذا الوقود مطلقًا، وعلى إرساله بالكامل إلى روسيا تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
إيران وخيار البلوتونيوم
السؤال الجوهري: هل سعت إيران بالفعل إلى برنامج بلوتونيومي؟
أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقريرها عام2003 أن إيران أجرت في أوائل التسعينيات تجارب مخبرية لاستخلاص كمية صغيرة من البلوتونيوم.
هذه التجارب جرت في مركز طهران للأبحاث النووية وشملت تعريض نحو 7 كغم من ثاني أكسيد اليورانيوم للإشعاع، واستخدام 3 كغم منها لاستخراج البلوتونيوم.
تم الاحتفاظ بالبلوتونيوم المستخلص في مختبر "جابر بن حيان"، بينما سُلِّمت بقية المواد للوكالة.
وقد أعلنت إيران هذه الأنشطة للوكالة عام 2003، وتم تسجيل جميع المواد.
بعد ذلك، كان المفاعل الثقيل للماء بقدرة 40 ميغاواط/حراري في أراك أهم مسار محتمل لإنتاج البلوتونيوم.
لو اكتمل وفق تصميمه الأصلي، لكان قادرًا على إنتاج 8 إلى 10 كغم من البلوتونيوم سنويًا، وهي كمية تكفي لصنع قنبلة أو اثنتين.
وقد أثار هذا الأمر قلقًا غربيًا في منتصف العقد الأول من الألفية من احتمال سعي إيران إلى خيار البلوتونيوم. لكن من دون منشأة لإعادة المعالجة، لم يكن بالإمكان استخدام هذا البلوتونيوم بسهولة في الأسلحة.
وفي اتفاق خطة العمل المشتركة الشاملة (JCPOA) عام 2015، وافقت إيران على تعديل تصميم مفاعل أراك بحيث يقل إنتاج البلوتونيوم إلى حد كبير، وأُجبرت على ملء قلب المفاعل بالخرسانة.
كما وافقت إيران على إعادة تصميم المفاعل بالتعاون مع الصين والغرب لتقليل إنتاج البلوتونيوم بشكل جوهري.
وبذلك، تمكن الغرب حتى الآن من إغلاق المسار البلوتونيومي أمام إيران، ليس فقط سياسيًا وقانونيًا، بل أيضًا تقنيًا. وهو ما أجبر طهران على تركيز برنامجها النووي بالكامل على تخصيب اليورانيوم بنِسَب غير معتادة.