وأكد البيان أنه منذ 13 يونيو (حزيران)، اعتقلت السلطات أكثر من 20,000 شخص، من بينهم معارضون، ومدافعون عن حقوق الإنسان، وصحافيون، ومستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي، وأسر ضحايا قتلوا بشكل غير مشروع خلال احتجاجات على مستوى البلاد، إضافة إلى مواطنين أجانب. كما ضمت قائمة المستهدَفين أفغانيين، وأفراد من الأقليتين العرقيتين البلوشية والكردية وأفراد من الأقليات الدينية البهائية والمسيحية واليهودية.
وشدد على أن الأزمة المتفاقمة تُبرز الحاجة الملحة كي يتبنى المجتمع الدولي إجراءات ملموسة لتحقيق المساءلة الجنائية.
تجاهل الانتقادات
لكن الدعوة لمساءلة النظام جنائيا يبدو أنها لا تلقى صدى لدى طهران، حيث دأب النظام على تجاهل هذه الانتقادات، سواء الصادرة من هيئات دولية أو مستقلة أو محلية ووصفها دائما بأنها "مسيسة"، وتخدم أجندات غربية، بل إنه زاد من عمليات قمعه ورفع معدلات الإعدام بشكل غير مسبوق خلال الشهور الأخيرة.
التحذيرات الدولية من تدهور أوضاع حقوق الإنسان في إيران أكثر من أن يتم حصرها، سواء ما يحدث في السجون أو المعارضين أو للنساء أو الأقليات.
سارة حشاش، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية قالت: "بينما يكافح الناس للتعافي من الآثار المدمرة للنزاع المسلح بين إيران وإسرائيل، تشنّ السلطات موجة قمع مروّعة. فتواصل السلطات تشغيل آلة القمع الداخلية بلا هوادة، وتكثف الرقابة المتفشية والقمعية القائمة أصلًا، وتصعّد عمليات الاعتقال الجماعية وحملات التحريض على ممارسات التمييز والعداء والعنف ضد الأقليات".
المتحدث باسم السلطة القضائية أصغر جهانكير" قال في مؤتمره الصحفي اليوم الأربعاء 3 سبتمبر (أيلول)، إن عالم اليوم مليء بالظلم والذين يتشدقون بحقوق الإنسان وخدمة الإنسانية هم في الحقيقة صانعو الظلم والاستبداد في العصر الراهن، وكل خططهم هي الاستيلاء على أرواح وممتلكات جميع المظلومين في العالم.
نظرة المتحدث باسم السلطة لقضائية لدعوات حقوق الإنسان بأنها تخدم "صانعي الظلم والاستبداد"، تعكس رؤية السلطة بأن إجراءات القمع التي تقوم بها إنما تهدف حماية الأمن القومي، وهو ما أشار إليه بيان العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، بإعلان السلطة القضائية تشكيل محاكم خاصة لمقاضاة "الخونة والمرتزقة"، وموافقة البرلمان على تعجيل إقرار قانون طارئ ينتظر المصادقة النهائية من مجلس صيانة الدستور، من شأنه أن يوسع استخدام عقوبة الإعدام لتشمل تهُم المساس بالأمن القومي المبهمة مثل تهمتي "التعاون مع حكومات معادية" و"التجسس".
وأشار البيان إلى دعوة مسؤولين كبار إلى محاكمات وإعدامات عاجلة بحق "الداعمين" و"المتعاونين" مع دول معادية. فيما روجت وسائل إعلام مرتبطة بالدولة لتكرار مجازر السجون التي وقعت في 1988، ومنها مقالة وردت في وكالة أنباء "فارس"، جاء فيها: "إن العناصر المرتزقة…تستحق الإعدام على طريقة 1988".
تزايد الإعدامات
وقال تقرير منظمة العفو الدولية السنوي، في أبريل (نيسان) الماضي)، إن إيران استحوذت على أكثر من 64 في المائة من إجمالي حالات الإعدام المسجلة في العالم خلال العام الماضي، ونفذت ما لا يقل عن 972 عملية إعدام في عام 2024. وحذرت المنظمة من أن طهران تستخدم الإعدام كأداة لقمع المعارضين والأقليات.
وسبق وأن صدرت عشرات البيانات من مختلف المؤسسات الحقوقية التي تطالب النظام بوقف "انتهاكاته المروعة" لحقوق الإنسان، لكن خلال جلسة الاستعراض الدوري الشامل لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف في يناير (كانون الثاني9 الماضي، ردّت بعثة إيران برئاسة كاظم غريب آبادي، مساعد وزير الخارجية للشؤون الدولية والقانونية، على الانتقادات الموجهة لوضع حقوق الإنسان في البلاد، مؤكدة أن "تقدماً كبيراً" قد أُحرز في تحسين حياة الإيرانيين.
ووصف غريب آبادي جميع الانتقادات الموجهة لإيران بشأن حقوق الإنسان بأنها "ذات دوافع سياسية".
وفي المقابل، في عام 2024، أعلنت لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة أنها جمعت أدلة تشير إلى ارتكاب طهران جرائم تشمل القتل، التعذيب، والاغتصاب، متهمة إيران بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
وكان من اللافت أن واشنطن امتنعت ، للمرة الأولى، عن إدانة سجل النظام الإيراني في مجال حقوق الإنسان في هذه الدورة. وهو ما فسره مراقبون بأن الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب بعد وصولها للبيت الأبيض ربما كانت تسعى لإرسال رسالة طمأنه للنظام الإيراني.
فيما أكد الاتحاد الأوروبي، في بيان له في يناير (كانون الثاني) الماضي، أنه سيواصل إدانة النظام الإيراني بسبب انتهاكاته لحقوق الإنسان، وقال إنه سيطالب المسؤولين في الحكومة الإيرانية باحترام حقوق الإنسان لجميع المواطنين، وخاصة النساء والفتيات والأقليات الدينية والعرقية.
وبسبب الانتهاك الواسع لحقوق الإنسان في إيران، طلب الاتحاد الأوروبي من مسؤولي النظام الإيراني التعاون الكامل مع الآليات الحقوقية للأمم المتحدة، وخاصة مع اللجنة المستقلة للتحقيق والمقرر الخاص للأمم المتحدة بشأن إيران.
كما طالبت المفوضية الأوروبية بالإفراج عن جميع الأشخاص، بما في ذلك المواطنين الأجانب ومزدوجي الجنسية، الذين اعتقلتهم السلطات الإيرانية بشكل تعسفي.
وطالب مقررو الأمم المتحدة مراراً السلطات الإيرانية بالالتزام بتعهداتها الدولية، فيما قال مركز حقوق الإنسان في إيران، في بيانه الصادر يوم الأربعاء 3 سبتمبر (أيلول)، إن نظام طهران جعل من إيران واحدة من "أخطر الدول لعمل الصحفيين المستقلين".
وأشار إلى الضغوط الممارسة على وسائل الإعلام، خاصة بعد الحرب التي استمرت 12 يومًا، موضحًا أن الصحفيين الذين يبتعدون عن الخط الرسمي للنظام يواجهون التهديدات، والتنصت، وإغلاق المكاتب، والاعتقالات التعسفية، والملاحقات القضائية.
غير أن المسار الحالي للنظام يكشف إصراره على نهج القمع تحت ذريعة الحفاظ على الأمن القومي بوصفه وسيلة للحفاظ على سلطته، متجاهلا الانتقادات الحقوقية الدولية والمحلية.