سياسة التوجه نحو الشرق اعتمدتها إيران بقوة خلال العقد الأخير لمواجهة الضغوط والعقوبات الغربية التي وصلت ذروتها خلال حرب الـ12 يوما والهجوم الإسرائيلي الأميركي على المنشآت النووية، وتُوجت هذه السياسة باتفاقية الـ25 عاما مع الصين، وتجديد اتفاقية الشراكة الاستراتيجية مع روسيا لمدة 20 عاما.
إعلام النظام اعتبر أن مشاركة بزشكيان في قمة شنغهاي هو استمرار للتوجه نحو الشرق الذي أقره المرشد، حيث قالت صحيفة "كيهان" المقربة من خامنئي، إن "هذا التوجه يدعم سيادة إيران ويعزز مكانتها الإقليمية عبر تحالفات مع قوى معارضة للتدخل الغربي".
لكن هل استفادت إيران من التوجه نحو الشرق؟ وهل ساعد ذلك على مواجهة الضغوط والعقوبات على طهران؟
سياسيا يعتمد النظام الإيراني على دعم بكين وموسكو، وهما طرفان في الاتفاق النووي، لمواجهة الضغوط الغربية، حيث قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي على منصة "إكس"، الاثنين الأول سبتمبر (أيلول)، أن وزراء خارجية إيران، والصين، وروسيا أكدوا في بيان مشترك، أن محاولة الاتحاد الأوروبي تفعيل "آلية الزناد" ضد إيران "غير قانونية من الناحية القانونية وهدّامة من الناحية السياسية".
وأكدت الدول الثلاث: "ما هو مهدد ليس حقوق إيران فقط، بل سلامة وموثوقية الاتفاقات الدولية ككل. إذا تم قبول الالتزام الانتقائي واستغلال الإجراءات، فإن أساس الأمن الجماعي سيتعرض لتدهور قاتل".
وأضاف وزراء خارجية الصين وروسيا وإيران أنهم طلبوا من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة "التصرف نيابة عن المجتمع الدولي للحفاظ على السلام والأمن".
وفي 28 أغسطس (آب) الماضي، أعلنت فرنسا وبريطانيا وألمانيا بدء عملية تفعيل "آلية الزناد" ضد إيران، داعية إياها إلى العودة للمفاوضات النووية مع الولايات المتحدة خلال مهلة تبلغ 30 يومًا، والتعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتأجيل العقوبات.
انتقادات حادة
ورغم هذا "الدعم المعلن" فإن العديد من الشخصيات الإيرانية وجهت انتقادات حادة لروسيا والصين واتهمتهما باستغلال الضغوط الغربية للعب بورقة إيران في تفاوضهما على مصالحهما الخاصة مع الغرب.
كانت آخر هذه التصريحات التي أثارت جدلا كبيرا ما قاله عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام محمد صدر في تصريحه يوم 23 أغسطس (آب)، خلال مقابلة مع برنامج "سينرجي" على شبكة الإنترنت بأن تحليله المستند إلى معلومات متاحة له هو أنّ "الروس هم الذين سلّموا إسرائيل معلومات عن مراكز الدفاع الجوي الإيرانية".
وأشار صدر إلى أن روسيا كانت من أولى الدول، التي اعترفت بإسرائيل بعد تأسيسها، ورأى أنّ "التحالف الاستراتيجي" الذي تتحدث عنه إيران مع موسكو "كلام فارغ".
وأضاف: "تركيا عضو في الناتو، والناتو خصم لروسيا، ومع ذلك سلّمت روسيا منظومة إس-400 لأنقرة، بينما نحن الذين نتحدث عن تحالف استراتيجي معها لم نحصل عليها. لطالما طُرح موضوع شراء مقاتلات سوخوي-35، ومع أنهم باتوا يملكون سوخوي-50، إلا أنهم لم يبيعوا لنا حتى سوخوي-35".
تصريحات الصدر لم تكن الوحيدة التي وجهت انتقادات حادة للعلاقة بين النظام وروسيا، لكنها تسبب في جدل كبير نظرا لأنها صدرت من شخصية قريبة من النظام، فهو ابن شقيق الإمام موسى الصدر، وصهر ياسر الخميني، نجل أحمد الخميني، حفيد مؤسس النظام الإيراني والمرشد السابق، آية الله الخميني. ويشغل عضوية مجمع تشخيص مصلحة النظام منذ عام 2017.
وقد شغل صدر منصب معاون الشؤون العربية والأفريقية في وزارة الخارجية في عهد الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، وكان أيضًا مستشارًا رفيعًا لوزير الخارجية الأسبق، محمد جواد ظريف، في حكومة الرئيس حسن روحاني.
كما سبق وأن وجهت وسائل الإعلام الإيرانية على لسان كبار المحللين انتقادات للمواقف الروسية، بل اتهمتها باتهامات مثل "الخيانة" و"الطعن في الظهر" و"التخلي عن طهران".
ورغم هذه الانتقادات فإن النظام عزز من علاقته بموسكو، ففي يناير (كانون الثاني) الماضي تم تجديد اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين إيران وروسيا لمدة 20 عاما، وصادق عيها نواب البرلمان الإيراني في مايو (أيار) الماضي.
وقد وصف بعض المؤيدين هذا الاتفاق بأنه "تحالف مع عدو أميركا"، بينما أشار نواب معارضون إلى ما وصفوه بـ"عيوب جوهرية" في نص الاتفاق.
ولم تُفصح إيران عن تفاصيل هذا الاتفاق، كما فعلت مع الاتفاق الصيني الممتد لـ25 عامًا، بل اكتفت بالقول بشكل عام إن الاتفاق يتألف من 47 مادة ويغطي جميع مجالات التعاون الثنائي.
وتخضع طهران وموسكو لعقوبات غربية واسعة، وهو ما يعيق تعاون اقتصادي واسع بين البلدين، بل إن العقوبات الغربية شملت أيضا بعض السفن والشركات التي تلتف على العقوبات وتقوم بنقل النفط الروسي والإيراني.
وفي أبريل (نيسان) الماضي قدّم سيناتورَان أميركيان من الحزبين الجمهوري والديمقراطي مشروعًا إلى الكونغرس يهدف إلى مواجهة "أسطول الظل" الروسي، الذي ينقل في بعض الحالات نفط إيران أيضًا.
المشروع، الذي قدّمه جوني إرنست وريتشارد بلومنتال، يطالب بإنشاء صندوق في وزارة الخزانة الأميركية بميزانية أولية تبلغ 150 مليون دولار لعام 2025، لتسهيل تنفيذ العقوبات ضد الناقلات التي تلعب دورًا في الالتفاف على العقوبات النفطية.
وتستخدم روسيا هذا الأسطول للتحايل على العقوبات الغربية المفروضة بسبب حربها ضد أوكرانيا، لكن بعض ناقلات هذا الأسطول تنقل أيضًا نفط إيران.
أما الصين الذي وقعت معها إيران اتفاقية الـ25 عاما، وتسببت في جدل كبير بسبب عدم الإعلان عن تفاصيلها، فهي تعتبر الشريك الاستراتيجي الأهم لطهران حيث تشتري نحو 90 في المائة من النفط الإيراني، وفقا لرويترز، لعدم قدرة النظام على بيع النفط بسبب العقوبات الغربية. وبحسب "بلومبرج"، يتم نقل كميات كبيرة من النفط الإيراني عبر شبكة تجارية معقدة عبر "أسطول الظل" من الناقلات القديمة إلى مصافي التكرير الخاصة في شمال الصين.
وتشير التقارير إلى أن الصين اشترت ما معدله 1.38 مليون برميل من النفط يوميا من إيران في النصف الأول من عام 2025، بينما في عام 2024 بلغ الرقم 1.48 مليون برميل يوميا، أي نحو 14.6% من واردات الصين من النفط.
ويرى مراقبون أنه إذا نجحت الدول الأوروبية في تفعيل آلية الزناد فإنه استيراد الصين للنفط الإيراني سيواجه صعوبات حادة حيث ستتيح العقوبات للدول تفتيش السفن المشتبه بها في نقل هذا النفط، وهو ما سيمثل ضغوطا هائلة على النظام الإيراني.
مواقف بكين
ويعتبر مراقبون أن حضور مسعود بزشكيان العرض العسكري الصيني بمثابة "رسالة مهمة" على عمق التعاون بين البلدين. لكن التعاون العسكري بينهما ليس معلنا، خاصة أن الصين يبدو أنها تحرص ألا تدخل في صدام حاد مع الغرب لصالح طهران.
وظهر ذلك واضحا بعد الحرب الإيرانية الإسرائيلية، حيث نفت السفارة الصينية في تل أبيب تقرير موقع "ميدل إيست آي" بأن الصين سلّمت أنظمة دفاع جوي جديدة لإيران.
وقالت السفارة الصينية، في تصريح لصحيفة "إسرائيل هيوم" إن "محتوى هذا التقرير غير صحيح. الصين تُعارض مبدأ انتشار أسلحة الدمار الشامل وأنظمة إطلاقها، وتؤكد باستمرار على التنفيذ الصارم لأنظمة الرقابة على الصادرات وعدم الانتشار".
وأضاف البيان: "الصين لا تصدر أبدًا أسلحة إلى دول في حالة حرب، وتفرض رقابة صارمة على تصدير المواد ذات الاستخدام المزدوج العسكري والمدني. وبصفتها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن الدولي، تتصرف الصين بمسؤولية فيما يتعلق بتصدير المواد المتعلقة بالشؤون العسكرية".
ونقل موقع "ميدل إيست آي" 7 يوليو (تموز)، نقلاً عن مصدر دبلوماسي عربي، أن الحكومة الصينية نقلت أنظمة صواريخ أرض-جو متطورة إلى إيران خلال الأسابيع التالية لاتفاق وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل في 24 يونيو (حزيران)، وأن النظام الإيراني أرسل شحنات نفطية إلى الصين مقابل هذه المعدات.
وزعم التقرير أن نقل الأسلحة من الصين إلى إيران يشير إلى توسع التعاون العسكري بين طهران وبكين، وعلى الرغم من أن المصادر العربية امتنعت عن ذكر العدد الدقيق للأنظمة التي تم تسليمها، إلا أنها أكدت أن الدفع تم عبر شحنات النفط الخام.
وتشير التقارير إلى أن جزءًا كبيرًا من أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية تضرر خلال الحرب التي استمرت 12 يومًا مع إسرائيل، حيث سيطر الجيش الإسرائيلي في الأيام الأولى على الأجواء الغربية لإيران وحتى المجال الجوي لطهران.
وعلى مدى السنوات الماضية، اعتمدت إيران بشكل رئيسي على أنظمة دفاع جوي روسية الصنع مثل "إس-300" ونماذج مطورة محليًا، لكن بعد التدمير الواسع لهذه البنية التحتية، تسعى طهران الآن إلى بدائل، بما في ذلك أنظمة صينية الصنع.
ووفقًا للتقرير، يُحتمل أن يكون أحد الأنظمة التي تم تسليمها هو نظام "إتش كيو-9" الصيني الصنع، وهو نظام أثبت فعاليته في السابق خلال الاشتباكات بين الهند وباكستان، حيث وردت تقارير عن إسقاطه لعدة طائرات رافال فرنسية متطورة.
وبموجب اتفاقيات سابقة للحرب بين الطرفين، كان من المفترض أن توفر الصين المواد الأولية والقطع اللازمة لإنتاج مئات الصواريخ الباليستية لإيران.
تجربة مليئة بالإخفاقات
الاعتماد الإيراني على الصين وروسيا يبدو أنه لا يأتي بنتائج إيجابية في أغلب الأحيان، حيث علّق المحلل السياسي روح الله رحيم بور في يونيو (حزيران) على التصريحات الأخيرة لعلي أكبر صالحي بشأن عرقلة الروس لجهود إيران، وقال لقناة "إيران إنترناشيونال": "تصريحات صالحي لا تقتصر على روسيا فقط، فقد أشار أيضًا إلى حالات متعددة من عرقلة الجانب الصيني. ووفقًا له، فإن روسيا والصين كثيرًا ما وضعتا إيران في مواقف صعبة ضمن اتفاقيات طويلة الأمد".
وأضاف رحيم بور: "هذه الإشكالات لا تتعلق فقط بالملف النووي؛ بل تشمل أيضًا مجالات أخرى، خصوصًا مشاريع البنى التحتية، حيث كانت تجربة التعاون مع هذين البلدين مليئة بالإخفاقات".
وأشار المحلل إلى أن هذه التجارب، فضلًا عن فشلها الاقتصادي، كانت لها أيضًا عواقب أمنية على إيران.
وأكد قائلًا: "رغم العلاقات الواسعة، لم تدعم روسيا والصين أبدًا المواقف التي تراها طهران حقًا لها داخل مجلس الأمن الدولي؛ وفي أفضل الأحوال، اكتفتا بالامتناع عن التصويت على القرارات والبيانات الدولية. وبصورة عامة، لم تكن الشراكة مع هاتين القوتين لصالح الشعب الإيراني، بل جلبت له تكاليف باهظة".