وتُظهر الوثائق، التي جرى فحصها، أن المسجد، الذي يُعد من أكبر مراكز الشيعة في الدنمارك، تلقّى ملايين الكرونات (العُملة الدنماركية) من مؤسسات ومتبرعين إيرانيين، ولعب دورًا بارزًا في الترويج للدعاية السياسية للنظام الإيراني.
ووفقًا للتقرير، فقد جرى في عام 2007 تحويل نحو 2.7 مليون كرونة عبر الحساب المصرفي لسفارة إيران في كوبنهاغن إلى الجمعية التي تُدير المسجد.
وجاء الجزء الأكبر من هذا المبلغ من مؤسستين خيريتين إيرانيتين، هما "أبرار طهران" و"إمام رضا أصفهان"، واُستخدم لشراء "فيلا" في الدنمارك.
وحسب ترخيص وزارة العدل الدنماركية، كان ينبغي أن يُخصّص هذا العقار حصرًا لسكن موظفي السفارة، لكنه على مدى سنوات كان منزلاً شخصيًا لإمام الجماعة ورئيس المسجد، محمد مهدي خادمي.
وأشارت الصحيفة الدنماركية إلى أنّ خادمي، الذي ينتمي إلى عائلة نافذة في إيران، تعاون رسميًا مع السفارة الإيرانية بين عامي 2001 و2015، وكان اسمه مسجلاً في القوائم الداخلية كأحد موظفيها.
كما أظهرت تقارير إعلامية دنماركية سابقة أنّ النظام الأساسي لمسجد الإمام علي ينصّ صراحة على أنه "خاضع لإشراف المرشد الإيراني"، وحتى في حالة حلّه، فإن ممتلكاته يجب أن تُحوّل إلى مسجد تابع لإيران في ألمانيا.
المراكز الدينية الإيرانية في أوروبا تحت الضغط
في سياق متصل، أعلنت الحكومة الألمانية في أغسطس (آب) 2024 حظر نشاط المركز الإسلامي في هامبورغ، متهمة إياه بـ الترويج لأيديولوجية النظام الإيراني، ودعم حزب الله اللبناني، والعمل ضد الدستور الألماني.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه، شنّت الشرطة الألمانية حملة واسعة شملت مداهمة 54 مبنى تابعًا للمركز في سبع ولايات، منها هامبورغ، وبرلين، وبافاريا، وساكسونيا السفلى، وهيسن، وبادن فورتمبيرغ، وشمال الراين وستفاليا الأمر الذي مهّد الطريق لحظر رسمي لأنشطته ومؤسساته الفرعية.
وفي يوليو (تموز) الماضي، سلّمت السلطات الدنماركية إلى ألمانيا شخصًا من أصل أفغاني يُدعى "علي س."، كان قد اعتُقل في كوبنهاغن للاشتباه في تجسسه لصالح إيران. وتبيّن أنّه كان يجمع معلومات عن مواقع وأشخاص مرتبطين بالجالية اليهودية في برلين، وكان على صلة وثيقة بالمركز الإسلامي في هامبورغ، مع تردده المتكرر على مسجد الإمام علي "المعروف بالمسجد الأزرق" هناك.
وكشفت مجلة "دير شبيغل" الألمانية أنّ رئيس المركز الإسلامي المغلق في هامبورغ كان يتلقى تعليماته مباشرة من المرشد علي خامنئي.
مسجد الإمام علي في كوبنهاغن: ذراع للنظام الإيراني
أكد الباحث في جامعة كوبنهاغن، راسموس إلينغ، الذي اطّلع على الوثائق، أنّه "لم يعد هناك أي مجال للشك في أنّ مسجد الإمام علي في كوبنهاغن مرتبط بالنظام الإيراني".
هذا التحقيق أثار موجة من ردود الفعل في الساحة السياسية الدنماركية؛ حيث وصف عدد من نواب البرلمان، من بينهم ستيفن لارسن وسورن إسبيرسن، المسجد بأنه "ذراع دعائية للنظام الإيراني في الدنمارك"، وطالبوا بإغلاقه فورًا.
وشدّد بعض السياسيين على أنّه إذا لم تسمح القوانين الحالية بإغلاق هذا المسجد، فلا بد من تعديل القوانين لضمان وقف نشاط مثل هذه المؤسسات المرتبطة بقوى أجنبية.
وفي الوقت الراهن، باتت قضية "الفيلا" وتمويل المسجد قيد تحقيق الأجهزة الأمنية والقضائية في الدنمارك.