لكن خلف هذه الحماسة، تقف حقيقة صعبة وقاسية: الثلاجة بلا كهرباء تبقى دافئة وفارغة؛ المستشفى بلا دواء وكهرباء لا يعمل بـ"الحماسة"؛ المخابز لا تحصل على الطحين بـ"الأمل"؛ والبلاد لا تُدار بالتصفيق وتوزيع الحلوى.
تُدار البلاد بالأرقام الدقيقة، وبالخبراء الأكفاء، وبالقانون والعدالة، وبالأمن المستقر، والأهم من ذلك بالحرية المضمونة لأغلبية الشعب.
هنا يظهر "كتيّب مرحلة الطوارئ"؛ وثيقة وُضعت للأيام الـ100 إلى الـ180 الأولى بعد سقوط النظام الإيراني.
هذا المشروع، الذي جاء بمبادرة من برنامج "ازدهار إيران" وبالتعاون مع مجموعة من النشطاء والخبراء، يهدف أساسًا إلى منع فراغ السلطة، وتوقف الخدمات الحيوية، أو خروج البلاد عن مسار إعادة الإعمار.
تُظهر التجارب التاريخية أن سقوط أي نظام بلا خطة واضحة يمكن أن يؤدي إلى الفوضى، والانهيار الاقتصادي، والحرب الأهلية، وعودة الديكتاتورية.
إيران، حتى قبل أي تغيير سياسي، تواجه أزمات خطيرة: نقص المياه والكهرباء، الاعتماد الدوائي على الواردات، نظام مصرفي غير مستقر، تضخم جامح، هروب رؤوس الأموال، وانقسامات اجتماعية وسياسية عميقة. انعدام التخطيط في مثل هذه الظروف يعني دعوة صريحة إلى الكارثة وعودة القوى القمعية بوجه جديد.
يؤكد "كتيّب مرحلة الطوارئ" على تشكيل حكومة مؤقتة بصلاحيات محدودة ومدة زمنية معلومة.
يجب على هذه الحكومة المؤقتة أن تضمن استمرار الخدمات الحيوية مثل المياه والكهرباء والصحة والاتصالات، وأن تدير توفير السلع الأساسية، وتسيطر على التضخم، وتمنع انهيار النظام المصرفي، وتحافظ على أمن الحدود، وتُهيّئ الظروف لإجراء انتخابات حرّة.
كما يشدد البرنامج على دور المجتمع المدني ووسائل الإعلام الحرة في الرقابة والشفافية، لضمان التصدي للفساد وسوء الاستغلال منذ اليوم الأول.
يركّز منتقدو هذه الوثيقة على عدة محاور رئيسية:
-تركيز السلطة: يُقال إن الكتيّب يضع السلطة في يد مجموعة محدودة ويؤسس لبنية تضع "هيئة النهوض الوطني" و"الهيئة التنفيذية المؤقتة" تحت إشراف شخص واحد.
-الغموض القانوني: نموذج إلغاء الدستور الحالي والإبقاء المؤقت على القوانين لا يقدّم ضمانًا كافيًا للحقوق والحريات.
-تجاوز نطاق الطوارئ: تطرّقَت الوثيقة إلى مجالات يرى البعض أنه ينبغي تأجيلها إلى ما بعد استقرار الأوضاع.
-نقص التفاصيل التنفيذية: خاصة في مجالي السيطرة الأمنية والإدارة الاقتصادية خلال الأيام الحساسة الأولى، حيث لم تُقدَّم تفاصيل كافية.
هذه الانتقادات تطرح أسئلة أساسية أمام واضعي الوثيقة: ما الآليات المقررة لمنع تركّز السلطة؟
وفي نموذج إلغاء الدستور، كيف تُضمَن الحقوق والحريات؟ ما المجالات الدقيقة التي تُعتبر "طارئة" وما قائمتها التفصيلية؟ أين الخطة التنفيذية للأمن والاقتصاد، مصحوبة بجدول زمني ومسؤول محدد؟
نتائج النجاح أو الفشل في التنفيذ
الإجابة عن هذه الأسئلة مسألة حيوية للشعب. نجاح تنفيذ هذا البرنامج قد يضمن الحفاظ على الاستقرار، وتأمين الخبز والدواء، وأمن الشوارع، ومنع سيطرة المجموعات المسلحة الخارجة عن القانون.
أما إذا لم تُحل هذه الالتباسات وبقيت الوثيقة حبرًا على ورق، فالسيناريو المقابل واضح: انقطاع المياه والكهرباء، وطوابير طويلة، وانعدام الأمن، وعودة السلطة إلى أيدي من لم يتغير منهم سوى الاسم. فالحرية من دون كفاءة وبنية تحتية، لا تدوم، بل يمكن أن تفسح الطريق سريعًا أمام استبداد جديد.