ووفق ما كتبته صحيفة "هآرتس"، فإن إسرائيل والولايات المتحدة أعلنتا، في نهاية الحرب الأخيرة التي استمرت 12 يومًا مع إيران، أنهما حققتا نصرًا، رغم أن الهدف الرئيس، وهو الوقف الكامل لبرنامج طهران النووي، لم يتحقق، إلا أن إنجازات عملياتية مهمة تحققت، من بينها تعطيل أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية، ما أتاح تفوقًا جويًا شبه كامل فوق الأراضي الإيرانية، ومكّن إسرائيل من استهداف البنية التحتية لإنتاج وإطلاق الصواريخ الباليستية الإيرانية.
وعلى الجبهة الدفاعية، كان أداء إسرائيل أكثر تعقيدًا؛ فقد نجحت في اعتراض جميع الطائرات المُسيّرة الإيرانية باستثناء واحدة، وتدمير معظم الصواريخ الباليستية القادمة. ومع ذلك، فإن العدد القليل من الصواريخ الإيرانية، التي اخترقت الدفاعات، ألحق خسائر بشرية وأضرارًا بالجبهة الداخلية الإسرائيلية.
وتشير التقديرات إلى أن إسرائيل قادرة على مواصلة العمليات في الأجواء الإيرانية، واستهداف البنية التحتية الصاروخية على المدى القصير، لكن في أفق 5 إلى 10 سنوات، فإن خطر إعادة بناء الدفاعات المتقدمة أو حتى سلاح الجو الإيراني قد يغيّر المعادلة.
وفي هذا السياق، قال خبير الصواريخ والمُسيّرات والباحث بارز في اتحاد الدفاع الصاروخي، تال إنبار: "لا تزال إيران تملك نحو ألف صاروخ باليستي قادرة على استهداف إسرائيل".
ووفقًا لقول الباحث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، فابيان هينتز، فإن البرنامج الصاروخي الإيراني مصمم ضمن إطار مؤسسي متماسك وملتزم تمامًا بتطويره، ولا يعتزم النظام التخلي عنه. ويتولى كيانان متوازيان في الحرس الثوري والجيش مهمة تطوير وإنتاج وإطلاق هذه الصواريخ.
ومن وجهة نظر طهران، كانت الصواريخ الباليستية الأداة الوحيدة الفعالة التي أثبتت كفاءتها في ساحة المعركة- وإن كان بشكل محدود- في حين أن القوى الوكيلة، مثل حزب الله، قدمت أداءً أقل من المتوقع. أما الصواريخ التي نجحت في اختراق دفاعات إسرائيل وأميركا فقد ألحقت أضرارًا غير مسبوقة بالجبهة الداخلية الإسرائيلية، وبحسب مصادر أجنبية، استهدفت حتى بعض المنشآت العسكرية.
ولكن الحرب الأخيرة كشفت مرة أخرى عن الكلفة الباهظة للدفاع الصاروخي. وتشير التقارير إلى أن مخزون صواريخ الاعتراض "حيتس" الإسرائيلية أوشك على النفاد بعد أيام قليلة من بدء القتال. ويبلغ سعر كل صاروخ "حيتس-3" نحو 3 ملايين دولار، فيما يبلغ سعر كل صاروخ "ثاد" الأميركي أربعة أضعاف هذا المبلغ.
وبحسب تحليل "هآرتس"، فقد أُطلق نحو 100 صاروخ "ثاد" خلال الحرب، بينما ذكرت تقارير لاحقة لشبكة "سي إن إن" الإخبارية الأميركية أن العدد بلغ 150، أي ما يقارب ربع المخزون الأميركي الإجمالي. وقدرت التقديرات أن الكلفة الإجمالية لعمليات الاعتراض الإسرائيلية والأميركية بلغت نحو 5 مليارات شيكل (ما يعادل 1.4 مليار دولار).
ولا تكمن المشكلة في الكلفة المالية فحسب، بل إن هذه الأنظمة معقدة ومتقدمة للغاية، ومعدل إنتاجها محدود. ووفقًا لوكالة الدفاع الصاروخي الأميركية، تم إنتاج 12 صاروخ "ثاد" فقط في عام 2025، ومن المتوقع إنتاج 37 صاروخًا آخر في 2026.
هذا القيد في الإنتاج يثير تساؤلات مهمة حول إمكانية توفير كمية كافية من الصواريخ لاعتراض هجمات ضخمة. ويشرح إنبار أن الأمر يعتمد على مقارنة تكلفة الدفاع مع حجم الأضرار التي قد تحدث إذا لم يكن هناك دفاع. وأضاف: "تخيلوا ماذا كان سيحصل لو أصابت 500 صاروخ أهدافها".
ومن الناحية الاقتصادية، يؤكد إنبار أن فجوة الكلفة ليست أحادية الجانب إلى هذا الحد؛ فسعر بعض الصواريخ الباليستية الإيرانية متوسطة المدى بات قريبًا من سعر صواريخ الاعتراض "حيتس".
وقبل الحرب، قُدرت قدرة إيران على الإنتاج الشهري بنحو 50 صاروخًا، لكن تدمير البنية التحتية للإنتاج والإطلاق خفّض هذه القدرة. ومع ذلك، يحذر إنبار من أن عودة النظام الإيراني إلى هذا المستوى تحتاج فقط إلى "قرار ومال ووقت".
والسؤال المطروح الآن يدور حول المسار الذي سيتخذه النظام الإيراني لتعزيز قدراته الصاروخية: الاستمرار في التركيز على الدقة، أو زيادة الكم على حساب النوع، أو تحسين بقاء منصات الإطلاق من خلال التوزيع الجغرافي الأوسع. وتشمل الخيارات الأخرى إطلاق صواريخ خداعية أو استخدام ذخائر عنقودية لخلق أهداف متعددة.
وقد أظهرت الهجمات الصاروخية عام 2024 ضعف دقة صواريخ النظام الإيراني؛ فعلى الرغم من أن قاعدة "نيفاتيم" الجوية الإسرائيلية بدت من بعيد كأنها تحت نيران كثيفة، فإن صور الأقمار الصناعية أظهرت أن الضرر الفعلي كان محدودًا جدًا.
وأدت مراجعة الدوائر الإلكترونية التي عُثر عليها في الصواريخ الإيرانية إلى أن يتساءل مهندس مخضرم في الصناعات الدفاعية عمّا إذا كانت هذه "ألعاب أطفال".
وفي مجال الدفاع الجوي، يعتمد النظام الإيراني أساسًا على أنظمة محلية وأخرى روسية مستوردة مثل "إس-300"، لكن هذه الأنظمة أثبتت عدم فاعليتها في الحرب الأخيرة. ومع عدم قدرة روسيا على تزويد أنظمة جديدة بسبب حرب أوكرانيا، ظهرت تقارير عن سعي النظام الإيراني لشراء منظومة "HQ-9B" ورادارات "JY-26" من الصين، رغم أن السفارة الصينية في إسرائيل نفت ذلك.
وأما سلاح الجو الإيراني، الذي يتكون أساسًا من مقاتلات ومروحيات قديمة تعود إلى ما قبل الثورة، فلم يلعب أي دور في الحرب الأخيرة. وقد تأخر تنفيذ عقد شراء أكثر من 20 مقاتلة "سوخوي-35" من روسيا، وتدور مفاوضات لشراء نحو 40 مقاتلة "جي-10 سي" من الصين.
وحتى مع تسليم هذه الطائرات، فإن النظام الإيراني، بحسب إنبار، لن يشكل تهديدًا خطيرًا للقوات الجوية الحديثة، إلا إذا أنشأ بنية تحتية جديدة تشمل رادارات متقدمة، وطائرات إنذار مبكر، وأنظمة اتصالات حديثة، وقواعد مجهزة.
ويؤكد الخبراء العسكريون الإسرائيليون أن إحدى الأولويات المستقبلية هو اعتراض الصواريخ في مرحلة الإطلاق، أي قبل انفصال الرأس الحربي عن المعزز، إذ يصبح استهدافها بعد ذلك أصعب بكثير. ويتطلب ذلك شبكة واسعة من الحساسات والصواريخ الاعتراضية فائقة السرعة.
وتُطرح تقنية أسلحة الليزر كأحد الخيارات لهذه المرحلة؛ فالنظام المعروف بـ "الشعاع الحديدي"، الذي طورته شركتا "رافائيل" و"لوكهيد مارتن" بدعم من إدارة الرئيس الأميركي السابق، جو بايدن، يستطيع حاليًا إنتاج شعاع بقوة 100 كيلوواط، أي عُشر القدرة المطلوبة لتدمير الصواريخ الباليستية. وتوجد خطط لتركيب ليزر على المقاتلات أو حتى الأقمار الصناعية، وهي وإن كانت معقدة ومكلفة، قد تصبح في المستقبل البعيد جزءًا من منظومة الدفاع الصاروخي.
ووصف وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، نهاية الحرب بأنها "مقدمة لسياسة إنهاء الحصانة بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023"، وأصدر تعليمات بوضع خطة طويلة الأمد للحفاظ على التفوق الجوي ومنع تقدم البرامج النووية والصاروخية للنظام الإيراني.
وبحسب قول يهوشوعا كالي سكي، من معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، يجب أن تكون الحروب المقبلة مع النظام الإيراني قصيرة ومركزة، وأن تُستخدم فيها الصواريخ أرض- أرض كأداة ردع فورية وتأثير نفسي، وهي تجربة لمسها مئات آلاف الإسرائيليين في هذه الحرب الأخيرة.