اغتصاب جماعي في كوريا الجنوبية وتواطؤ في طهران.. فضيحة الرياضيين الإيرانيين

تجاوزت قضية اتهام ثلاثة رياضيين إيرانيين باغتصاب جماعي في كوريا الجنوبية حدود الرياضة، وتحولت إلى اختبار أخلاقي ودبلوماسي لنظام يُعرف بتغطيته على العنف الجنسي، حين يتورط فيه ممثلوه.
وعندما يُتَّهم رياضي يُمثّل بلاده في المحافل الخارجية، بصفته رمزًا للفخر الوطني وأداة للدبلوماسية الحكومية، بارتكاب عنف جنسي.. كيف ينبغي أن تتصرف الحكومات؟
وحين تلوذ حكومة بلاده بالصمت، أو تقلّل من شأن الاتهام، أو تسخّر كل إمكاناتها للدفاع عن المتهم- ولو على حساب حقوق الضحية- ماذا يكشف لنا ذلك؟
وقضية اغتصاب عدد من الرياضيين الإيرانيين لامرأة كورية جنوبية ليست مجرد قضية جنائية؛ بل نافذة على السياسات العالمية تجاه العنف الجنسي، وعلى الحصانة التي يتمتع بها أصحاب السلطة، وعلى العلاقة المقلقة بين الدبلوماسية الرياضية والذكورية المؤسسية.
قضية عابرة للحدود
وبحسب التقارير الرسمية المنشورة في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية، فقد تقدّمت شابة في العشرينيات من عمرها ببلاغ إلى شرطة مدينة "غومي"، أفادت فيه بأنها تعرّضت للاغتصاب الجماعي على يد ثلاثة أعضاء من البعثة الرياضية الإيرانية، في أحد الفنادق التي أقامت بها الفرق المشاركة.
وهؤلاء الثلاثة، الذين أوفدوا إلى كوريا الجنوبية للمشاركة في بطولة آسيا لألعاب القوى 2025، محتجزون حاليًا بتهمة "الاغتصاب الجماعي"، وهم رهن التحقيق.
وقد أعلنت الشرطة الكورية منعهم من المغادرة حتى انتهاء الإجراءات القضائية، والتي قد تستغرق عدة أشهر. وفي الأثناء، أُفيد عن محاولة انتحار فاشلة لأحد هؤلاء الرياضيين، فيما نفى آخر براءته خلال مكالمة هاتفية مع شقيقه.
وبينما تؤكّد الشرطة الكورية وقوع جريمة الاغتصاب وتُواصل تحقيقاتها الرسمية، جاءت ردود مسؤولي النظام الإيراني حتى اللحظة متحفّظة وغامضة.
وقال نائب رئيس اتحاد ألعاب القوى، هاشم صيامي، في تصريح مقتضب للصحافة: "ليست لدينا معلومات دقيقة بعد. ننتظر عودة الفريق إلى إيران لإجراء التحقيقات. لا يمكننا إصدار حكم في الوقت الحالي".
وهذا التصريح لا يكتفي بالتهرب من اتخاذ موقف واضح تجاه تهمة بهذا الحجم، بل يعيد إنتاج نمط مألوف في تعاطي النظام الإيراني مع قضايا العنف الجنسي: الإنكار أو الإيهام بالحياد.
وفي الوقت ذاته، اكتفت بعض وسائل الإعلام شبه الرسمية داخل إيران، ومنها "خبر ورزشي"، بنقل تصريحات بلا مصدر تحدثت عن احتمال "سوء فهم ثقافي".
ومثل هذا التناول، الذي يناقض معطيات الشرطة الكورية، أثار ردود فعل سلبية في كوريا الجنوبية، ويُظهر كيف أنّ بعض وسائل الإعلام الإيرانية، حين يتعلق الأمر باتهامات جنسية، تقدم الحفاظ على صورة "النظام" على حساب الحقيقة والعدالة.
ولا تعد قضايا العنف الجنسي في الرياضة الإيرانية جديدة؛ ففي عام 2018، أشارت تقارير إلى اتهام مسؤول في الاتحاد الإيراني لكرة القدم بالتحرش الجنسي بلاعبات منتخب الناشئات تحت 15 عامًا.
وفي عام 2019، أكد أحد أبطال المصارعة الإيرانيين السابقين، من دون كشف هويته، حدوث "اعتداءات جنسية من قِبل بعض المدربين أو المسؤولين على لاعبي منتخب الناشئين".
كما لجأت بعض الرياضيات والمدربات الإيرانيات إلى مغادرة البلاد، والتصريح بتعرضهن للتمييز أو التهديد أو العنف الجنسي. في كل هذه الحالات، اتّبع النظام الإيراني النمط ذاته: الصمت الرسمي، فرض الرقابة على وسائل الإعلام، التقليل من شأن الضحايا، أو محاكمة الضحايا أو كتم أصوات المبلّغين عبر التهديدات القضائية أو منع السفر أو الضغوط الأمنية.
واللافت في هذه القضية، حتى لحظة كتابة المقال، أنّ الحكومة الإيرانية لم تصدر أي بيان رسمي يدين الواقعة أو يعلن استعدادها للتعاون القضائي مع كوريا الجنوبية. وحده المتحدث باسم لجنة الرياضة في البرلمان الإيراني، روح الله لك علي آبادي، اعتبر الحادثة "لا يمكن التغاضي عنها".
وهذا الصمت الصارخ لا يرسل أي رسالة دعم للضحية، بل يُفهم في الأوساط العامة والإعلامية الكورية كدليل على لامبالاة النظام الإيراني، وقد يؤدي إلى تداعيات سياسية ودبلوماسية ورياضية خطيرة.
وفي المقابل، يخضع العنف والاعتداء الجنسي في الأوساط الرياضية الكورية الجنوبية لرقابة صارمة بموجب القوانين الجنائية الخاصة.
فوفق "قانون العقوبات" و"قانون الجرائم الجنسية الخاصة"، يُواجه المعتدون-خصوصًا إذا كانوا مدرّبين أو رياضيين محترفين استغلوا موقعهم أو هشاشة الضحية- أحكامًا مشددة تشمل السجن لمدد طويلة، وإلغاء الصلاحية الرياضية، والطرد من المنافسات الوطنية والدولية.
كما أنشئت هيئات، مثل "مركز الأخلاقيات الرياضية"، لضمان بيئة رياضية آمنة، ودعم الضحايا، والتحقيق المستقل في مثل هذه القضايا.
وتناقض ردود الفعل بين البلدين يثير تساؤلات جوهرية: مَن المسؤول أمام القانون؟ معاناة من تحظى بالاعتبار؟ إلى متى سيُعتبر العنف الجنسي أولوية ثانوية إذا مسّ بـ"كرامة وطنية" زائفة أو مصالح دبلوماسية؟
العنف الجنسي: جريمة أم تهديد للسمعة؟
في العديد من القضايا الدولية المماثلة، حين يُتّهم رياضي أو دبلوماسي بارتكاب جريمة اغتصاب، غالبًا ما تُعامل الواقعة كـ "تهديد للسمعة"، وليس كجريمة تستدعي تحقيق العدالة. في هذه الحالات، تتجه الحكومات إلى احتواء الأزمة بدلًا من إنصاف الضحايا.
وهذا السلوك أكثر وضوحًا في الدول ذات الأنظمة الاستبدادية أو ذات المرجعية الدينية، كالنظام الإيراني، حيث يُختزل "الفخر الوطني" في مزيج من الرجولة والسلطة والأخلاق الظاهرية. عندها، تهتم السلطات بحفظ ماء الوجه وحماية رموزها، لا بالشفافية أو حقوق الضحايا.
التمييز الجندري في القضاء الإيراني
لا يوفّر النظام القانوني الإيراني حماية حقيقية لضحايا الاغتصاب. في نظام قضائي قائم على فقه ذكوري، إثبات الاغتصاب معقّد، وشهادة المرأة لا تعادل شهادة الرجل، وقد تُتّهم الضحية نفسها بـ "العلاقات غير الشرعية" أو "انعدام العفة". ولا توجد آليات فعالة لدعم الضحايا نفسيًا أو قانونيًا، فيما هناك سجلّ طويل من قمع النساء اللواتي يجهرن بالحقيقة.
في هذا السياق الثقافي، يُفهم أن رياضيًا متهمًا بالاعتداء الجنسي قد نشأ وتربى في منظومة تُعلّمه أن خدمة النظام تُوفّر له حصانة ضمنية. النظام يُرسل له رسالة: "ما دمتَ تمثلنا، فأنت بمنأى عن المحاسبة".
الرياضة: ساحة للسلطة والانتهاك
المنافسات الرياضية الدولية ليست "لعبًا بريئًا"؛ بل هي مسرح لعرض القوة الناعمة. بالنسبة للأنظمة الاستبدادية، تُعدّ هذه المشاركات فرصة لإبراز "النظام" و"القوة" و"الهيبة الوطنية". الرياضيون في هذا الإطار ليسوا مجرد رياضيين، بل هم "سفراء سياسيون" للنظام.
في مثل هذا المناخ، حين يرتكب رياضي جريمة، تتدخّل الدولة لا لإحقاق العدل، بل لحماية صورتها. هذا لا يقتصر على إيران، لكنه يتفاقم في ظل سجلّ النظام الإيراني في إنكار العنف الجنسي.
وعند اتهام دبلوماسيين أو مسؤولين رسميين من النظام الإيراني بسلوكيات غير أخلاقية في الخارج، كان النمط واحدًا: الإنكار، الضغط الدبلوماسي، أو إعادة المتهم إلى البلاد لتُطوى القضية بذريعة "الاختلاف الثقافي".
لو حاول النظام الإيراني مجددًا- عبر القنوات السرية أو الضغوط الدبلوماسية- إجهاض مسار العدالة أو استعادة المتهمين قبل المحاكمة، فلن يكون ذلك سوى تكرار لهذا النمط المدمر.
اختبار العدالة في كوريا الجنوبية
في المقابل، تواجه كوريا الجنوبية اختبارًا أيضًا: هل ستُواصل التحقيق في القضية بمعزل عن الضغوط السياسية؟ أم سترضخ لمساومات خلف الكواليس؟
حتى الآن، تُبدي السلطات القضائية الكورية جدية: التحقيق مع الشهود، استجواب المتهمين، منعهم من مغادرة البلاد. ومع ذلك، تظلّ المخاوف قائمة.
علاقات طهران وسيئول شهدت توترًا خلال السنوات الأخيرة، خاصة بفعل تجميد أصول إيرانية بمليارات الدولارات في البنوك الكورية.
وقد استعمل النظام الإيراني مرارًا أسلوب "دبلوماسية احتجاز الرهائن" للضغط على كوريا. فهل ستُستغلّ قضية الاغتصاب في هذا الإطار؟
ولو خضعت كوريا للضغوط الإيرانية وأوقفت متابعة القضية، فلن تخون الضحية فحسب، بل ستقوّض مبادئ العدالة وسيادة القانون، وسيصل للعالم خطاب مفاده: "معاناة النساء قابلة للمقايضة".
ما وراء القضية: نمط الإفلات من المحاسبة
هذه ليست المرة الأولى التي يُتهم فيها ممثل لنظام استبدادي بجريمة جنسية في الخارج، ولا أول مرة يتهرّب النظام من المحاسبة.
ولكن خصوصية هذه القضية تكمن في تقاطع ثلاثة عناصر: الثيوقراطية الذكورية، الدبلوماسية الرياضية، والعدالة العالمية. وهذا يدفعنا للتساؤل: هل يجب أن يتمتع الرياضيون بحصانة كالدبلوماسيين؟ إلى أي مدى ستُضحّي الدول المضيفة بالعدالة لصالح السياسة؟ وما هو دور الهيئات الرياضية الدولية؟ والأهم: إلى متى ستظل أجساد النساء ضحية لتقاطع الرجولة السياسية، الدين، والدبلوماسية؟
مسؤولية دولية
المنظومة الرياضية الدولية- من اللجنة الأولمبية الدولية إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"- لا يمكن أن تصمت إزاء مثل هذه القضايا. وهنا تظهر الحاجة الملحة لبروتوكولات واضحة لتعليق أو معاقبة الرياضيين المتهمين بجرائم خطيرة.
وفي حالات كثيرة، تُصدر هذه الهيئات عقوبات على تعاطي المنشطات أو المخالفات الإدارية، لكنها تسكت عن العنف ضد النساء.
ويزداد دور المجتمع المدني في كوريا الجنوبية وإيران أهمية في هذه القضايا، لضمان الشفافية ومنع طمس الحقائق وتحويل هذه القضية إلى نقطة تحوّل.
فهذه القضية لا تتعلق باغتصاب امرأة واحدة فحسب. بل بالسلطة: من يملكها؟ من يُسيء استخدامها؟ ومن يُؤخذ على محمل الجد عندما يُرتكب عنف؟
إنها عن عالم يُسحق فيه جسد المرأة عند تقاطع الرجولة السياسية، والدين، والدبلوماسية. عن نظام يُعلّم الرجال أنهم، طالما كانوا يمثّلون النظام، فلن يُحاسَبوا.
وهذه القضية اختبار للمجتمع الدولي كي لا يُضحّى بالعدالة على مذبح المصالح الدبلوماسية.