وأُقيم ماراثون كيش السادس صباح الجمعة 5 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، بمشاركة نحو خمسة آلاف عدّاء في جزيرة المنتجع السياحي، بينهم مئات النساء دون حجاب، على الرغم من معارضة الاتحاد الإيراني لألعاب القوى، الذي برّر رفضه بـ "متطلبات قانونية ودينية".
وسارعت التيارات المتشددة إلى تصوير الحدث كاعتداء على "القيم الإسلامية". فقد اتّهمت وسائل إعلام مرتبطة بالحرس الثوري، مثل وكالة "تسنيم"، المنظمين بتشجيع "الانحلال الأخلاقي"، فيما أكّد مدّعٍ محلي توقيف أحد المسؤولين الإقليميين وأحد المنظمين.
وكتبت "تسنيم": "لم يعد الأمر إهمالاً؛ يجب معاقبة المسؤولين فورًا.. لقد تحوّل ماراثون كيش إلى رمزٍ للترويج للفجور والإباحية".
وردّد المتشددون هذا الخطاب عبر منصّات التواصل الاجتماعي، ووصف بعضهم الحدث بأنه "تحرك منظّم لنشر الفساد وكشف الشعر على نطاق واسع".
وكتب مستخدم، يدعى مهران كريمي على منصة "إكس": "الأولوية يجب أن تكون لمواجهة جذور الفساد ومنع تكرار مثل هذه الفضيحة".
كما اعتبر النائب المتشدد، علي شيرين زاد، الماراثون استفزازًا متعمدًا: "إقامة ماراثون نسائي بلا حجاب هو ازدراء للقيم الدينية والقانونية للنظام الإيراني"، كما كتب على منصة "إكس".
وتركّز جزء كبير من الانتقادات على حكومة الرئيس الإيراني، مسعود بزشکیان، إذ يتّهمها المتشددون بالتساهل في "انتهاكات الحجاب". وكتب أحدهم على "إكس": "الحكومة أصبحت الداعم الأساسي لهذا الانحلال المنظم".
معايير مزدوجة فاضحة
يرى المنتقدون أن هذا الغضب الانتقائي يكشف عن ازدواجية واضحة. فقد أشار موقع "رويداد 24" المعتدل إلى فعالية مماثلة في مركز "رواق" التجاري بطهران شاركت فيها نساء دون "الحجاب الإجباري"، ولم تثر أي موجة اعتراض.
وكتب الموقع: "لم يُبدِ أحد صرخات الغضب.. لماذا؟ لأن (رواق) يعمل تحت إشراف نجل أحد كبار مسؤولي الدولة. ومِن ثمّ، لا وجود لأي توبيخ".
وكان التقرير قد ذكر أولاً أن ذلك المسؤول هو علي أصغر حجازي، نائب مدير مكتب المرشد الإيراني، علي خامنئي، لكنه حذف اسمه لاحقًا.
كما تداول مستخدمون صورًا لماراثونات مماثلة، في عامي 2021 و2023، خلال فترة الرئيس السابق، إبراهيم رئيسي، أقيمت هي الأخرى دون الالتزام بالحجاب، ولم تُواجَه بأي اعتراض.
وقال الصحافي المحافظ، رضا منصورنيا على منصة "إكس": "على المتشددين أن يشرحوا الفرق.. صمتوا عن الأول واعتبروا الثاني جريمة!".
وحتى صحيفة "خراسان" المحافظة، المقربة من رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، حذّرت من أن ردّ الفعل المتشدد "مبالغ فيه" وقد يضر بالسياحة والاقتصاد المحلي.
وكتبت الصحيفة: "مثل هذه الحوادث لا يمكن أن تظلل حدثًا إيجابيًا مثل ماراثون كيش، بل قد تُحدِث توترات ليست في مصلحة التماسك الوطني".
أزمة لا يمكن للقمع الأمني حلّها
زاد توجيه المرشد الإيراني، علي خامنئي، الأخير لحكومة بزشکیان بضرورة "تشديد تطبيق قوانين الحجاب" المخاوف من عودة حملة قمع واسعة، لكن حتى صحافيين مقربين من قاليباف يحذّرون من أن الأساليب القسرية تأتي بنتائج عكسية.
وكتب الصحافي الإيراني المحافظ، علي غولهاكي، أن الحملات السابقة "ضاعفت الأضرار مرات عدة"، مضيفًا: "اليوم، نتمنى لو كان وضع الحجاب كما كان قبل 10 سنوات!".
وأما المسؤول في حكومة روحاني سابقًا، روح الله جمعه بور، فأشار إلى أن آلاف الأشخاص شاركوا في ماراثون "كيش"، بينما لم يتمكّن المتشددون من حشد أكثر من بضع عشرات أمام البرلمان، في وقت سابق هذا العام، للمطالبة بتشديد قوانين الحجاب.
وقال على منصة "إكس": "لم يتمكنوا من جمع مائة شخص، بينما ذهب أكثر من خمسة آلاف إلى كيش.. إيران لن تعود إلى ما قبل خريف 2022!".
وأضاف السياسي المعتدل، سينا كمالخاني: "احتمال عودة وضع الحجاب إلى ما كان عليه سابقًا يساوي احتمال عودة الدولار (الذي يتجاوز الآن 120 ألف تومان) إلى 3,000 تومان كما كان قبل سنوات".
وفي بيانٍ نشر على مواقع التواصل، قالت مجموعة "انقلاب زنان" النسائية إن الاعتقالات تظهر عجز السلطات عن احتواء تحدّي المجتمع المتنامي: "النظام لا ينوي التراجع، كما أنه عاجز عن فرض القمع الكامل؛ لذلك فإن أي حضور حرّ للنساء يتحوّل إلى أزمة أمنية بالنسبة له".