إيران تتجنب رفع أسعار الوقود خوفًا من تكرار احتجاجات "نوفمبر الدامي"

تعود طهران مجددًا للمشي على رؤوس أصابعها في ملف أسعار البنزين تحت ظل ثقيل تخيّمه احتجاجات "نوفمبر 2019"، التي تحوّلت إلى واحدة من أكثر حملات القمع دموية في تاريخ النظام الإيراني.

تعود طهران مجددًا للمشي على رؤوس أصابعها في ملف أسعار البنزين تحت ظل ثقيل تخيّمه احتجاجات "نوفمبر 2019"، التي تحوّلت إلى واحدة من أكثر حملات القمع دموية في تاريخ النظام الإيراني.
وتُعدّ أسعار الوقود من أكثر الملفات حساسية سياسية في إيران، حتى إن مجرد الإيحاء بإمكانية تغييرها يكفي لإثارة القلق داخل المنظومة السياسية بأكملها.
وكما حذّر هذا الأسبوع موقع "برترین ها" الإخباري الشعبي: "الظروف الهشّة في البلاد.. بلغت حدًا يجعل مجرد طرح احتمال زيادة الأسعار قادرًا على إطلاق موجة من القلق وردود الأفعال غير المتوقعة".
والذكرى، التي تغذّي هذه المخاوف، ليست بعيدة. قبل ست سنوات، أدى الرفع المفاجئ والمباشر لأسعار البنزين بنسبة 50 في المائة للوقود المدعوم، وبنسب أعلى بكثير على الكميات غير المدعومة، إلى اندلاع احتجاجات على مستوى البلاد خلال ساعات قليلة.
وكانت تلك واحدة من أسرع موجات السخط انتشارًا منذ عام 1979 ولا تزال جرحًا وطنيًا مفتوحًا.
وكتب مستخدم على منصة "إكس" يُدعى حامد، في إشارة إلى احتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) 2019": "أولئك الذين شهدوا أحداث نوفمبر الدامي لن يستطيعوا الضحك من أعماق قلوبهم طوال حياتهم. لقد بقينا على قيد الحياة فقط لنرى يوم الانتقام".
مخاطرة الإصلاح
يقول اقتصاديون إن النموذج الحالي غير قابل للاستمرار: فالتكلفة الفعلية لاستيراد البنزين ارتفعت إلى 700 ألف ريال (نحو 65 سنتًا) للّتر، بينما لا تزال أسعار التجزئة المدعومة عند ما يزيد قليلاً على سنت واحد للّتر.
وتُقدّر الأعباء الملقاة على موازنة الحكومة هذا العام بنحو 6 مليارات دولار.
وكان الرئيس الإيراني، مسعود بزشکیان، قد تعهّد بإصلاح منظومة الدعم الضخمة والمكلفة في إيران، لكن الخطر السياسي يكاد يكون حاضرًا في كل خطوة.
وتصرٍ الجهات الرسمية على أن الحصص الشهرية (60 لترًا بسعر 1.3 سنت و100 لتر بسعر مضاعف) ستبقى دون تغيير، على الأقل في الوقت الحالي. كل تصريح يصدر عن المسؤولين يُصاغ بعناية شديدة بهدف طمأنة الرأي العام وتجنّب أي انطباع- حتى لو كان بسيطًا- بوجود زيادة وشيكة.
ظلّ "نوفمبر الدامي"
لم تكن احتجاجات 2019 متعلقة بالوقود وحده؛ فقد كشفت عن غضب أعمق تجاه الفساد وعدم المساواة والجمود السياسي. لكن البنزين كان الشرارة التي أشعلت الفتيل.
وجاء إعلان الزيادة جاء في الساعات الأولى من يوم 15 نوفمبر، دون نقاش أو تمهيد. وفي غضون ساعات، انتشرت التظاهرات في عشرات المدن، خصوصًا في المناطق العمالية الأكثر تضررًا من التضخم والعقوبات.
وسرعان ما تبنى المتظاهرون شعارات سياسية أوسع، بينها الدعوة لإسقاط المرشد الإيراني، علي خامنئي.
وكان رد النظام الإيراني سريعًا وبقوة غير مسبوقة. انقطع اتصال البلاد بشبكة الإنترنت العالمية لنحو أسبوع، ما جعل التغطية المستقلة شبه مستحيلة. واستخدمت قوات الأمن الرصاص الحي، وغالبًا ما صُوّبت الطلقات نحو الرأس والصدر، بحسب منظمات حقوقية.
وأكدت منظمة العفو الدولية مقتل ما لا يقل عن 321 شخصًا؛ فيما نقلت "رويترز" عن مسؤولين إيرانيين أن العدد بلغ نحو 1,500 قتيل.
وتم اعتقال الآلاف. بعضهم- مثل عرفان صابری موحد- اختفوا وما زالوا مفقودين حتى اليوم. كما أُعدم لاحقًا اثنان من المتظاهرين، وهما كامران رضایي وهاني شهبازي، بعد اتهامهما بـ "الحرابة".
وبالنسبة للطبقة السياسية في إيران، يبقى نوفمبر 2019 درسًا تحذيريًا شديد الوضوح، وتذكيرًا قويًا بمدى سرعة تحوّل السخط الاقتصادي إلى انتفاضة وطنية.
ولهذا، بعد ستّ سنوات، لا يزال مجرد "الهمس" حول أسعار البنزين كافيًا لبثّ الرعب في طهران.